”الفقي” يكشف أسباب تخلف الديمقراطية في الوطن العربي
كشف الدكتور مصطفى الفقي، المفكر السياسي ورئيس مكتبة الإسكندرية، أن العرب غير مهتمين بالديمقراطية أو بميلاد الدولة العصرية، على رغم من مشاركة العرب مع أمم أخرى غير عربية وغير تابعة للديانة الاسلامية، موضحا أن المشكلة الحقيقة لا تكمن في ذلك، فأنه منذ بزوغ فجر الاسلام وحتى وقتنا الحالي، لو وضعنا أيدينا على المفاتيح التي أدت إلى ما شهدناه من أحداث، وأخذنا في أعتبارنا طرق العلاج الصحيحة، لأرتقينا بدولنا العربية، وصعدنا سلم الدول الحديثة المعاصرة للديمقراطية.
وأوضح "الفقي" خلال مقاله المنشور على صحيفة " اندبندنت عربي" اليوم الاثنين، بعض النقاط التي تضع تصوراً للحاضر وتوقعاً للمستقبل عن طريق النقاط التاليةن والتي من خلالها يتضح لماذا تخلف الوطن العربي عن الديمقراطية:
أولها: يملك العرب نظريات موازية لكل ما يمر بهم في حاضرهم أو مستقبلهم، وهو أمر يدفع إلى اجترار الماضي والنزوح إليه باستمرار، فإذا تحدثنا عن البرلمان الحديث كان الرد أن تراثنا الإسلامي يحمل في طياته مشاهد مثيلة لما نتحدث عنه، فاجتماع سقيفة بني ساعدة (على سبيل المثال) هو مظهر من مظاهر الديمقراطية عند اختيار أول خليفة بعد رحيل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وإذ تراجع كثيرون ممن اعتنقوا الإسلام في تلك المرحلة الخطيرة من تاريخ الدعوة تردد القول الصائب "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت"، كما تشدد أبو بكر رضي الله عنه تجاه مَن امتنعوا عن دفع الجزية وقال قولته الشهيرة "والله لو منعوا عني عقال بعير كانوا يدفعونها لرسول الله لقاتلتهم عليه"، فالديمقراطية بالمفهوم الإسلامي كانت تعطي الحاكم الفرد مسوغاً لكي يفعل ما يشاء ويتصرف كما يريد، وأنا أريد أن أقول هنا إنه ليس صحيحاً أن الإسلام الحنيف يعادي الديمقراطية الغربية، بل هو يرى أن لديه نظرية متكاملة تغني عن الممارسات الانتخابية الغربية عند اختيار الحاكم أو إعطاء البيعة، ولكن الذي حدث هو نوع من الانقلاب العقلي الذي جعل جمهرة المسلمين يلتقطون عبارات من الثورة الإسلامية التي فجرتها الدعوة المحمدية في مجتمع جاهلي خاصم الحرية، وأدمن الرق والعبودية وابتعد عن حقوق الإنسان فجاء الإسلام لكي يكون تصحيحاً إلهياً من ظلامات الفوضى وأوثان الجاهلية.
ثانيا:الازدواجية التي عاشها العرب في العصور الحديثة، وذاكرتهم الدينية التي تجعلهم يؤمنون بأن الإسلام قدم نظرية للسياسة والحكم، وعلى الرغم من ان البعض يعترف بأن الديمقراطية الغربية ليست في أزهى عصورها، ولا أفضل أحوالها.
ثالثا: العربي بطبيعته نازح إلى ماضيه، ومنفصل عن حاضره، بينما الدنيا تجري حوله والتكنولوجيا الحديثة تقطع الطريق على الجميع، فلا بد أن يخرج العرب من شرنقة الماضي، وأن يعيشوا ويتفاعلوا مع حياة العصر، حتى يتمكنوا في كل وقت من أخذ أفضل ما فيه.
رابعا:خلط العرب بين الدين والقومية، و بين الإسلام والعروبة، على الرغم من أن كل خصائص العروبة تلحق الإسلام ، وأن العروبة هوية والإسلام عقيدة، وليس كل العرب مسلمين ولا كل المسلمين عرباً، ولا بد أن يرحل التطرف والاستغلال الفكري حتى تفتح الأمة الأبواب والنوافذ وتستقبل التيارات الفكرية العصرية والديمقراطية الحديثة.
وفي نهاية مقاله أكد الدكتور "الفقي" أنه يجب علينا كشعوب تعيش في مهبط الأديان السماوية الثلاث، وأن نتباهى بالثراء الروحي الذي نمتلكه، وذلك في إطار الوعي والرشاد والقدرة على التمييز بين الأمور في كل شؤون حياتنا، وأن نتذكر دائماً أن أدق مفهوم للدولة الديمقراطية، هو أنها دولة سيادة القانون الذي يجب أن نحتكم إليه ونخضع لسلطانه ونؤمن بسيادته دوماً في مساواة كاملة وعدالة ناصعة دون تفرقة أو تمييز أو تهميش، فالكل سواء أمام العدالة العمياء.