«فيزيتا العيادات» تتخطى الآلاف.. وأرباح مهولة لشركات الأدوية
لم تعد تقتصر معاناة المرض على مجرد وجع وألم، إنما أصبحت أزمة وعبء مادي، قد لا يستطيع البعض تحمله، وتنقسم فاتورة المرض إلى عدة أبواب، وكل مريض حسب مقدرته وإلى أي باب منها يستطيع الوصول والعبور، ففيزيتا بعض الأطباء أصبحت تتخطى الآلاف، وأسعار الدواء بات بعضها فقط في متناول الأغنياء، أما التحاليل والأشعة فباتت أسعارها وكأنها مصابة بنزيف مستمر، هذا بالإضافة إلى تخصصات ومجالات «التأهيل» التي ظهرت مؤخرا؛ خاصة بعد زيادة أعداد الأطفال المصابين بأنواع مختلفة من الإعاقات، ما بين جلسات تخاطب وتنمية مهارات وعلاج طبيعي وتعديل سلوك وغيرها، وهذه كثيرًا ما يتنازل عنها الأهل لعدم استطاعتهم توفير نفقاتها التي لاعلاقة لها بأحوال الناس.
سلع ذات طبيعة مختلفة
أصبحت أسعار الدواء فقط في متناول الأغنياء، فمع انتشار الكثير من الأمراض، زاد احتياج الناس للعقاقير الطبية المختلفة، إلا أن الشركات المنتجة تتعامل مع منتجاتها كغيرها من السلع، دون الإعتبار لكونها سلع ذات طبيعة مختلفة، وترفع أسعارها بشكل مستمر بغير رأفة أو رحمة بآلام المرضى.
تقول بوسي أحمد، أنها عندما أصيب والدها بجلطة في المخ، وبدأت رحلة العلاج، كانت لاتقل الروشتة عن ٢٠٠٠ جنيه، وكانت تتجدد كل أسبوع تقريباً، وأحيانا بعد شراء الدواء، يتضح أنه غير مناسب للحالة أو يسبب أعراض جانبية كبيرة، ما يضطرهم إلى تركه وشراء غيره، مؤكدة "الموضوع فعلا صعب جدا، ومرهق ماديا خاصة لو أن الشخص لايتبع تأمين صحي يساعد في هذه التكاليف".
ويضيف أحمد سليمان، أنه عانى كثيرا مع والدته بعد أن اكتشف إصابتها بورم في القولون، خاصة مع إرتفاع تكاليف كل جوانب العملية الطبية، متابعا "رغم أن هناك قرار على نفقة الدولة بجرعات الكيماوي، إلا أن باقى الأدوية تكاليفها تتخطى الآلاف شهريا، فهناك نوع واحد فقط للمعدة عبارة عن ١٠ أقراص ب ٢٠٠ جنيه، وفيتامين عبوته بجرعة واحدة ب ١٥٠ جنيه".
في قال دكتور علي عبدالله رئيس جمعية الدراسات الدوائية، أن أسعار كل ماهو متعلق بالعملية الطبية أصبح في تزايد مستمر، سواء أسعار الكشف أو التحاليل أو الإشاعات، وانتشرت ثقافة أنه كلما زاد سعر الكشف زادة كفاءة الطبيب أو المركز، لافتاً إلى أنه وصلت فزيتا الكشف لدى طبيب قلب شاب 3000 جنيه.
الهم الأقل
متابعا "بينما تمثل أسعار الدواء الهم الأقل في الأمراض الحادة والمزمنة، خاصة فى حال مقارنتها بالأسعار العالمية"، لافتاً إلى أن هناك أدوية مازالت بأقل من 3 جنيهات لأمراض مزمنة كالسكر والضغط.
وأوضح عبد الله، أن الأدوية الحديثة هي الأغلى سعرا، والدولة تشجع الصناعة المحلية المماثلة للمستورد لحل جانبا من المشكلة، وبأسعار أقل بكثير من المستورد، منوها إلى أن الشركات الأجنبية تنفق ملايين الدولارات من أجل الترويج لادويتها، والتقليل من كفاءة الأدوية المحلية، قائلا "هناك مضاد حيوي مستورد شهير سعره في مصر 90، و900 في السعودية، في حين أن المماثل المصرى له سعره 30 جنيها".
مستكملا أن هذا لاينفي أن أسعار الدواء بصفة عامة مرتفعة، فتتراوح أسعار الروشتات العامة ما بين 100 إلى 200 جنيه، وتصل إلى 500 جنيه مع انتشار كورونا، بينما تصل إلى الآلاف أو عشرات الآلاف في أدوية الأورام صاحبة التكنولوجيا العالية، والتي لا نستطيع تصنيعها في مصر.
التسعير الجبري
وعلق الدكتور هاني سامح الخبير الدوائي ،على زيادة أسعار الأدوية والمكملات قائلا "إن قوانين وقرارات الصيدلة قد نظمت التسعير الجبري للمستحضرات الصيدلانية بتحديد أقل سعر عالمي للمستحضر الأصلي كأساس للتسعير، وهو مايوجب التسعير وفق سعر دولة الهند كمثال، وللمستحضرات المثيلة للشركات المحلية والخاصة بما يقل بنسبة 35% عن أقل سعر عالمي، وبتحديد هامش ربح لا يجاوز 25% للمصنع بعد استبعاد التكاليف، و7% للموزع، و25% للصيدلية لباقي المستحضرات ومنها المكملات الغذائية المسجلة على شكل صيدلي.
وأوضح أن صناعة الدواء غير مكلفة في خامتها وطرق التصنيع، حيث أن الخامات هي أقل المدخلات في تلك الصناعة، لأن العالم المتقدم بأسره يعتمد على الخامات الصينية والهندية والشرق اسيوية، والكيلو جرام الواحد لأي خامة لايزيد سعره عن المائة دولار في الأغلب، وهذا الكيلو ينتج ملايين الأقراص والعبوات الدوائية، وغالب العبوات الدوائية يتم وزنها بالملي جرام بل وأقل.
وفي مثال ذكر سامح أن مادة «الكلوبيدوجريل» المضادة للتجلطات يبلغ سعر المستحضر منها التابع لشركة أجنبية 205 جنيه، بينما هو ذاته لشركة محلية يبلغ خمسة جنيهات، بنفس الخامة وطرق التصنيع والمكونات وبنفس الكفاءة والخضوع للتحاليل والرقابة الدوائية للجودة.
وذكر دكتور هاني أن سعر الخامات يشمل التوصيل إلى مطار القاهرة أو الموانئ البحرية، بما يؤكد أن هذا المدخل غير مؤثر ولا يصح التحجج به لزيادة أسعار الأدوية والمكملات.
أرباحا مهولة
ولفت إلى أن شركات الأدوية تحقق أرباحا مهولة من تجارة الأدوية والمرض، مشيرا إلى قيام العديد من الشركات بتنظيم رحلات ترفيهية لجميع موظفيها من مندوبي الدعاية الطبية بما يسمى الاجتماعات الدورية وكذلك إهداء الرحلات للأطباء وأسرهم لحضور مؤتمرات عالمية تنعقد في منتجعات بحرية وسياحية كنوع من الرشاوي الطبية، لكتابة مستحضراتهم ذات السعر المرتفع، رغم صدور أحكام مغلظة ضد تلك الشركات وتغريمها مليارات الدولارات عن هذا .
وطالب سامح وزارة الصحة وهيئة الدواء المصرية وإدارة سلامة الغذاء بالتصدي لالأعيب الشركات الدوائية، مطالبا بإعادة تسعير المستحضرات بما يحمي حق المريض في العلاج، وبما يضمن تنفيذ القانون في تحديد هامش الربح المناسب للشركات بدون تغول، ولمنع تحول تلك الشركات الى مافيا للدواء لا هم لها إلا الربح من دماء المرضى.
وأشاد الخبير الدوائي، بنهج الدولة في التصدي لمافيا الدواء وما يمس الأمن الدوائي، حيث تم تعديل العديد من القوانين، وكان نتاجها أحكاما رادعة ضد أباطرة الدواء بتغريمهم مايقارب الأحد عشر مليار جنيه، وكذلك إنشاء مدينة الدواء المصرية لمجابهة أي نقص في السلع الدوائية، وفتح أبواب التصدير وقيام الدولة بالتدخل لتوفير الأدوية الهامة مجانا، كما تم في حملة علاج الكبد الوبائي والحملات الصحية وتوفير ألبان الأطفال.
ويقول إبراهيم محمود صيدلىي، أن الكثير من المرضى عندما يأتون بحثا عن علاج بمجرد معرفة الأسعار يصابوا بحالة هلع، ومنهم من يترك الدواء بالكامل ومنهم من يختار الأنواع الأكثر أهمية بالنسبة له.
ويؤكد أنه يتعامل يوميا مع عشرات الحالات التي بقف عاجزا أمام الامها بسبب عدم قدرتهم على شراء الأدوية، خاصة وأنه يعمل في منطقة شعبية، قائلا "من أصعب المواقف عندما يقف أمامى أب أو أم تسأل عن أدوية لطفلها ولاتجد معها مايكفى للروشتة".