بعد إعلان ترشحه لانتخابات 2024.. بايدن يثير انقسامات حول مستقبل أمريكا
حالة من الجدل هيمنت على الرأي العام العالمى، حول قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن، بخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، والمقررة في 2024، ليس فقط لتوقيت الإعلان، والذى يبدو حساسا للغاية، سواء على المستوى الحزبى، داخل أروقة الحزب الديمقراطى من جانب، أو فيما يتعلق بالوضع في الداخل الأمريكي من جانب أخر، أو من ناحية دور واشنطن على المستوى الدولى، وقدرتها على إعادة حشد حلفائها من جانب ثالث، وإنما أيضا بسبب التزامن بين القرار الذى اتخذه بايدن، والتراجع الكبير في شعبيته، إثر العديد من التطورات، ربما أبرزها قرار الخروج من أفغانستان، وارتفاع الإصابات بكورونا، بالإضافة إلى الخسائر الكبيرة الناجمة عن إعصار "إيدا"، إلى الحد الذى وصفته عدة صحف بأنه أكثر رؤساء أمريكا من حيث تراجع الشعبية خلال أشهره الـ9 الأولى في البيت الأبيض.
ولعل الأمر الأكثر إثارة للجدل، فيما يتعلق بقرار الرئيس الأمريكي جو بايدن، بخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، يتمثل فى التكهنات التى دارت حول ترشحه لفترة واحدة، وذلك لإصلاح "ما أفسده" سلفه دونالد ترامب، سواء في الداخل، إثر حالة الانقسام غير المسبوق الذى شهدته البلاد خلال ولايته، والذى تجلى في أبهى صوره في مشهد اقتحام الكونجرس في يناير الماضى، أو في الخارج، عبر استعادة الحلفاء التاريخيين، وعلى رأسهم دول أوروبا الغربية، والذين انفرط عقد التفافهم حول القيادة الأمريكية على خلفية خطوات عدائية من قبل الإدارة السابقة، وعلى رأسها فرض التعريفات الجمركية على الواردات القادمة منها، بالإضافة إلى الحملة التي قادها على الاتحاد الأوروبى، عبر دعم خروج بريطاني خشن من "أوروبا الموحدة"، ناهيك عن الانسحاب من اتفاقية باريس المناخية، والتلويح بورقة الانسحاب من الناتو، وهو ما يمثل تهديدا صريحا بانهيار ما يسمى "المعسكر الغربى"، والذى يمثل المحور الرئيسى الذى بنت عليه واشنطن قيادتها الدولية للعالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
الداخل الحزبى.. العودة إلى معركة الشباب أمام "الحرس القديم"
إلا أن البعد الذى لا يقل أهمية في هذا الإطار، يتجسد في تداعيات القرار داخل أروقة الحزب الديمقراطى، إثر حالة استقطاب، بين ما يمكن تسميتهم بقيادات "الحرس القديم"، والذى يبقى بايدن أحد رؤوسه، وجيل أخر من الشباب، التف بقوة وراء رؤى غير تقليدية لأحد قيادات الحزب، وهو السياسى المخضرم بيرنى ساندرز، ليجد بايدن طريقا مؤقتا لاحتواء الموقف، عبر تقديم كامالا هاريس في منصب نائب الرئيس، ليضرب بها أكثر من عصفور بحجر واحد، باعتبارها أول امرأة تحصل على المنصب، بالإضافة إلى مغازلة الأمريكيين ذوى الأصول الأجنبية، ناهيك عن كونها تحظى بتأييد قطاع كبير من شباب الحزب، ليكون اختيارها بمثابة مقدمة لخطوات أخرى من شأنها تأهيلها لاعتلاء عرش البيت الأبيض، بعد 4 سنوات.
فبحسب ما ذكرت "واشنطن بوست" في تقرير لها، إن الإعلان أثار قلق قطاع كبير من الديمقراطيين، إثر التراجع الكبير في شعبية بايدن، ناهيك عن التوقعات التي دارت حول عدم إقدام الرئيس على مثل هذه الخطوة، ليكتفى بفترة واحدة، خاصة مع التقدم الكبير في العمر
وهنا يصبح الحديث عن الأوضاع داخل أروقة الحزب الديمقراطى بعد إعلان بايدن ترشحه لمنصب الرئيس، في 2024، من شأنه تدمير ما سبق وأن بناه، عبر خطابه الانتخابى، فى ظل رغبة جامحة في تقديم وجوه جديدة، وربما أكثر "شبابا"، إذا ما وضعنا في الاعتبار حقيقة مفادها أن بايدن، يعد المرشح الأكبر سنا للرئاسة الأمريكية في تاريخها، عندما خاض المعترك الرئاسي الماضي، بينما سيكون قد تجاوز الـ82 عاما، إذا ما خاض الانتخابات المقبلة، والمقررة في 2024، وهو الأمر الذى ربما يزيد الفجوة داخل أروقة الحزب في الأشهر المقبلة، ويفتح الباب أمام خسائر كبيرة، قد تبدأ مع انتخابات التجديد النصفى والمقررة بعد حوالى عام كامل من الآن، والتي قد تسفر عن خسارة أغلبية الكونجرس.
الداخل الأمريكي.. انقسام مزدوج بين الإدارة والشارع
أما على مستوى الداخل الأمريكي، فالانقسام يبدو قائما على مستويين، أولهما على مستوى الإدارة الحاكمة، في ظل انقسام داخل أروقتها، وتحديدا بين الرئيس ونائبته، في ظل حالة أشبه من التجاهل من قبل هاريس للعديد من القرارات التي اتخذها بايدن في الأشهر الماضية، ربما أبرزها قرار الانسحاب الفوضوى من أفغانستان وما ترتب عليه من عودة طالبان إلى السلطة، والزيادة الكبيرة في أعداد اللاجئين الأفغان، الذين اقتحموا الأراضى الأمريكية، وهو الأمر الذى من شأنه إثارة الرأي العام مجددا، ضد الإدارة، بل وتجييش الشارع مع سياسات الإدارة السابقة، التي تبنت موقفا صريحا مناهضا للهجرة، بالإضافة إلى موقفها المناوئ للتوتر الذى أحدثته سياسات بايدن مع فرنسا في الآونة الأخيرة.
بينما تبقى أمال كامالا هاريس في اعتلاء عرش البيت الأبيض جانبا اخر من الخلاف، حيث كانت تمنى النفس بخوض الانتخابات المقبلة، وهو الأمر الذى ربما أحبطه إعلان بايدن الأخير، حيث قالت شبكة "سى إن إن" الإخبارية إن نائبة الرئيس تبدو مستعدة لإطلاق حملتها، عبر شبكة قوية من العلاقات مع سواء داخل البيت الأبيض، أو عبر قطاع كبير داخل المجتمع الأمريكي، ربما تفاعلوا مع رسائلها خلال خطابها الانتخابى، للوصول إلى منصب نائب الرئيس، ممن يرون أنفسهم مهمشين.
وأما المستوى الثانى، يتمثل في الشارع الأمريكي، والذى لا يبدو أفضل حالا سواء من الحزب الديمقراطى أو الإدارة الحاكمة في المرحلة الراهنة، فالانقسام مازال قائما بين الأمريكيين، في ظل تصاعد كبير في شعبية الرئيس السابق دونالد ترامب، والذى بات "شبحا" يهدد بايدن وأنصاره في المرحلة الراهنة، على خلفية رغبته الجامحة في خوض المعترك الرئاسي مجددا، حيث أصبح المرشح الأوفر حظا بين الجمهوريين لتمثيلهم، في الانتخابات المقبلة، خاصة مع الرؤية التي يتبناها تجاه العديد من القضايا، كالهجرة، والاقتصاد، والتي وضع خلالها المواطن الأمريكي كأولوية قصوى، تحت شعار "أمريكا أولا".
المحيط الدولى.. بايدن "مرآة" سياسات ترامب العدائية نحو الحلفاء
بينما تبقى دائرة العلاقات الأمريكية مع محيطها الدولى، هي الأخرى، أحد أكثر القضايا التي ينبغي الالتفات إليها، في ظل غياب أي تغيير ملموس في إدارة العلاقة مع الحلفاء، خاصة في أوروبا الغربية، وهو ما يبدو في الدعم الأمريكي المستمر لبريطانيا، على حساب دول الاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى التوتر الكبير مع فرنسا، وهو ما بدا في قضية الغواصات الأسترالية التي أثارت غضب باريس بصورة كبيرة، لتصبح القيادة الأمريكية لدول المعسكر الغربى محل شك كبير في المرحلة المقبلة.
وهنا يصبح إعادة ترشح بايدن للرئاسة في الولايات المتحدة لا يمثل، كما هو متوقع، "رسالة طمأنة" للحلفاء، في ظل عدم اختلاف سياساته عن السياسات التي سبق وأن تبنتها الإدارة السابقة، وهو ما يطرح العديد الشكوك حول ما إذا كان إعلان بايدن من شأنه تحسين العلاقة معهم في المرحلة المقبلة.