احتكاكات صينية أميركية.. هل يتحمل العالم ”حربين” في آن واحد؟
في خطوة قد تقود وفق مراقبين لمزيد من التأزم والاضطراب في منطقة المحيطين الهادئ والهندي بين واشنطن وبكين، قالت البحرية الأميركية إن إحدى مدمراتها أبحرت قرب جزر سبراتلي المتنازع عليها، السبت، في ثاني إجراء مشابه في غضون أسبوع ببحر الصين الجنوبي.
وكان الجيش الصيني قد أعلن الأربعاء أنه "أبعد" السفينة ذاتها، وهي المدمرة "بينفولد" عندما أبحرت قرب جزر باراسيل المتنازع عليها أيضا.
ويرى مراقبون أن إبحار المدمرة الأميركية نفسها مجددا في المنطقة بعد أيام قليلة من إعلان الصين إبعادها لها، يعكس تحديا أميركيا لسعي الصين لفرض سيطرتها على بحر الصين الجنوبي، وهو ما قد يفضي لرفع وتيرة التوتر والتنافس بين الجانبين في هذا الجزء من العالم، الذي لطالما شكل ميدانا تقليديا لتصادم الأجندات والمصالح بين القوى الدولية الكبرى.
وفي ظل استمرار الحرب الأوكرانية على مدى نحو 6 أشهر، وتصاعد نذر المواجهة المباشرة في جنوب شرق آسيا بين التنين الصيني والنسر الأميركي، ثارت التساؤلات عن إمكانية تحمل العالم الذي يئن تحت وطأة الأزمة الأوكرانية، وقوع حربين كبيرتين في وقت واحد.
يقول أستاذ العلوم السياسية إحسان الشمري إن "الحروب بطبيعة الحال نتاج تضارب المصالح وتصارعها وبلوغه الذروة، مثلما هو الحال في أوكرانيا مثلا، التي من الممكن جدا أن تقود لاندلاع حروب ومواجهات أخرى متفرعة عنها حول العالم ولا تقل حجما، لا سيما في مناطق التماس التقليدية المشتعلة، وكما هي حال مناطق جنوب وشرق آسيا، حيث تتعدد الملفات الخلافية والقنابل الموقوتة، من شبه الجزيرة الكورية وتايوان إلى جزر الكوريل".
وأضاف الشمري في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية": "نشوب نزاع عسكري صيني أميركي قد يتطور لحرب، هو أمر غير مستبعد تماما لا سيما في ظل توالي المناورات والتحركات العسكرية المتضادة بين الطرفين في مناطق بالغة الحساسية كبحر الصين الجنوبي مثلا، وتطورها لاحتكاكات كما حدث قبل أيام على وقع إعلان الصينيين إبعادهم لمدمرة أميركية من ذلك البحر، وهي حال وقوعها لن تكون حربا محدودة ولا أقل وطأة وكارثية في تداعياتها على العالم اقتصاديا وأمنيا وفي شتى المجالات، من الحرب الروسية الأوكرانية، التي يعاني العالم بأسره الأمرين بسببها".
وفي المقابل، يقول الخبير الاستراتيجي الزميل غير المقيم بمعهد ستيمسون الأميركي للأبحاث عامر السبايلة: "العالم بلا شك لا يحتمل حربا جديدة كبرى، وإن كنا بالفعل أمام صراعات دولية في عدة جبهات لكنها تتخذ أشكال مواجهة جديدة وغير تقليدية، عبر محاولة بناء تحالفات جديدة وفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية، لكن فكرة المواجهة العسكرية تبقى غير حاضرة تماما".
ويضيف السبايلة في لقاء مع موقع "سكاي نيوز عربية": "يبقى كل هذا التصعيد جزءا من سياق محاولات إبقاء التوتر قائما، وإسباغ الشرعية على محاولات إضعاف الطرف الآخر وإشغاله واستنزافه وتشكيل تحالفات ضده، وبالتالي ففي كل مرحلة يحتد فيها التصعيد ويبلغ مديات خطرة، سيبرز خيار التهدئة والكبح الدبلوماسي عبر المفاوضات، وعليه فهذا النمط من المواجهة بين اللاعبين الدوليين الكبار سيكون طويل الأمد، ويأخذ عدة أشكال وتكتيكات".
وفي السياق ذاته، يقول الخبير العسكري مدير مركز صقر للدراسات الاستراتيجية مهند العزاوي، إن الجزر المتنازع عليها خضعت للتحكيم الدولي، ولم تحصل الصين بموجبه على موافقة بعائديتها إليها ولمياهها الإقليمية، كون العديد من الدول متشاطئة معها في هذه الجزر مثل فيتنام والفلبين وماليزيا وبروناي، وهي دول في غالبها قريبة من واشنطن أو حتى متحالفة معها.
والولايات المتحدة عبر تحركاتها هذه، كما يوضح العزاوي لموقع "سكاي نيوز عربية"، تحاول أن تُشعر الصين بأن "هذه المياه دولية ولا تخضع لسيادة بكين، وليست تاليا ضمن حدود مياهها الإقليمية، ذلك أن بحر الصين الجنوبي وعموم منطقة الإندوباسيفيك، أي ما بين المحيطين الهادئ والهندي، ساحة تصارع وتنافس استراتيجي محموم بين القوى العالمية الكبرى، لا سيما بكين وواشنطن".
ويسترسل الخبير العسكري: "تسعى الصين لبسط سيطرتها ونفوذها كقوة أولى فيها، فيما ترى الولايات المتحدة أن السيطرة الصينية على هذه المنطقة الحيوية، وهي معبر رئيسي لخطوط التجارة الدولية، أمر غير مقبول، وبالتالي فواشنطن عبر مناوراتها وتحركاتها العسكرية في هذه المناطق تهدف لإبلاغ الصين بأنها لن تتخلى أبدا عن هذه المناطق، وأنها تحظى بأهمية محورية في الحسابات الاستراتيجية الأميركية".