أيمن مدين .. يكتب تايوان على خطى أوكرانيا..
تايوان الورقة التى لطالما استخدمتها الولايات المتحدة الامريكية للضغط على المنافس الابرز لها على مركز الريادة العالمية جمهورية الصين الشعبية.
يعيش العالم فى حالة من الترقب والقلق مما يحدث فى شرق أسيا من تحركات تصعيدية بين الصين والولايات المتحدة الامريكية حول أزمة تايوان التى تسعى للإستقلال عبر تلقى دعم امريكى غربى وفى المواجهة تسعى الصين للتأكيد على وحدة اراضيها عبر إعادة تايوان إلى حضن الوطن الام.
وما قد ينتج عن هذه التحركات من إضطرابات قد تفضى إلى صدام عسكرى على غرار ما حدث فى شرق اوربا من صدام عسكرى بين روسيا وأوكرانيا قبل أقل من عام . وما قد يترتب عليها من أزمات مشابهة لما نتجت عن إضطراب الأوضاع فى شرق اوربا وتأثيراتها الكارثية خاصة ( الإقتصادية ) على العالم . بل قد تكون أكثر إيلاما ليس لدول منطقة شرق أسيا فقط بل للعالم أجمع . لما تمثله الصين من اهمية كبرى لتوريدات الخامات على رأسها المعادن النادرة والمنتجات المصنعة على اختلاف أشكالها وأنواعها بل وهو ما قد يؤثر بشكل كبير على حركة التجارة والأسواق فى شتى بلدان العالم والتى تأتى الولايات المتحدة الأمريكية على رأسها حيث أنها تعد أكبر مستورد للمعادن النادرة والتى تدخل فى صناعات هامة مثل بدن الطائرات والسيارات وغيرها من الصناعات الهامة والمنتجات الصينية المصنعة .بل وقد يعيق حركة الملاحة البحرية والجوية فى منطقة شرق أسيا وبالتالى توقف توريد دول المنطقة للمنتجات والسلع المصنعة فى هذه المنطقة .
ولنتعرف على أبعاد الأزمة علينا العودة بالتاريخ إلى نشأة الأزمة حول تايوان حيث بدأت أزمة تايوان فى أعقاب قيام الثورة الشيوعية الصينية عام 1946 بعد انتهاء الحرب اليابانية الصينية الثانية حين نجح الحزب الشيوعى الصينى فى تولى الحكم بالبلاد وأعلن قيام جمهورية الصين الشعبية وهو ما اضطر حكومة الصين أن ذاك للهروب والإستقرار فى تايوان تحت مسمى جمهورية الصين .
أزمة مضيق تايوان الاولى ( أزمة فورموزا ) وتوقيع ميثاق دفاع مشترك بين امريكا وتايوان
فى عام 1955 حدث نزاع محدود بين جمهورية الصين الشعبية وجمهورية الصين التى تمركزت فى تايوان واستعطاعت جمهورية الصين الشعبيه إجبار تايوان على التخلى عن جزر ( داتشين ) وقد اتحد الاسطول الامريكي مع الاسطول التيوانى فى أعمال إجلاء المدنيين من جزر داتشين . وتم توقيع إتفاق ( فورموزا ) وتوقيع ميثاق دفاع مشترك بين كلا من الولايات المتحدة الامريكية وتايوان .
ومنذ ذلك الحين لا تتوانى الولايات المتحدة الأمريكية عن إستغلال ورقة تايوان فى الضغط على جمهورية الصين الشعبية كلما حدث خلاف بينهما او تضارب فى المصالح . وها هى الولايات المتحدة تعيد إستغلال قضية تايوان للضغط على التنين الصينى وتعطيل خططه لضمها والذى سيترتب عليه زيادة قوة الصين وهو الأمر الذى تسعى أمريكا إلى عرقلته وفى المقابل يفقد أمريكا حليفا لها بمنطقة شرق أسيا وورقة ضغط لطالما استغلتها لتحقيق مكاسب سياسية فى المفاوضات مع الصين حول نقاط الخلاف بينهما بشكل يحقق لها أهدافها التى تخدم مصالحها .
زيارة رئيسة مجلس النواب الامريكى لتايوان
ألقى الإعلام العالمى الضوء على زيارة ( نانسى بيلوسى ) رئيسة مجلس النواب الامريكي نظرا لأهميتها وما قد يترتب عليها من عواقب وخيمة حيث تأتى هذه الزيارة فى توقيت دقيق للغايه خاصة أنها تأتى فى أعقاب لقاء الرئيس الامريكي ( جوزيف بايدن ) والرئيس الصينى ( شى جين بينغ ) عبر الفيديو كونفرنس والتى تمت خلالها إثارة أزمة تايوان وما تم تداوله من تصريح الرئيس الصينى الشديد اللهجة أثناء اللقاء من أن المساس بوحدة الأراضى الصينية خط احمر وأن من يلعب بالنار يحترق بها فى إشارة للدعم الأمريكى لتايوان. وجاء رد الجانب الامريكى بالتأكيد على وحدة الصين . وقد رفض الجانب الصينى هذه الزيارة على اعتبار انها انتهاك سافر للسيادة الصينية على أراضيها والتى تعتبر تايوان جزء لا يتجزأ منها . وقد صدرت عدة تصريحات وتحذيرات صينية منددة بزيارة بيلوسى لتايوان. ولم تكن الصين وحدها من تعارض هذه الزيارة حيث عارضت إدارة بايدن والبنتاجون هذه الزيارة وحاولا إثناء نانسى عن القيام بهذه الزيارة لكن فى نهاية الأمر تم الإعلان أن القرار الاخير فى يد بيلوسى . والتى أبدت إصرارها على إتمام هذه الزياره على اعتبار انها لا تتضارب مع السياسة الامريكية ( التأكيد على وحدة الصين ) وهو ما اضطر وزارة الدفاع الامريكية إلى إرسال 8 مقاتلات حربية خرجت من إحدى القواعد الجوية الأمريكية فى اليابان لمرافقة طائرة رئيسة مجلس النواب الامريكي وثانى رأس فى الدولة بعد بايدن والتى قد تحل محله حال حدث له أى مكروه . خشية من تهديدات الصين بإسقاط طائرتها حال أصرت على القيام بهذه الزيارة وبالفعل أعلنت الصين عن عزمها القيام بمناورات بالذخيرة الحية قبل بدء بيلوسى جولة أسيوية تشمل عدد من الدول من ضمنها تايوان هو الأمر الذى ردت عليه الولايات المتحدة بإرسال حاملة طائرات وثلاث غواصات و 36 سفينة حربية فى محاولة لإثناء الصين عن إسقاط طائرة بيلوسى . وبالفعل وصلت طائرة بيلوسى لمطار تايبيه عاصمة جمهورية الصين . بعد إغلاق الصين لمجالها الجوى قرب تايوان وإعلانها ان اى طائرة قد تخرق حظر الطيران سيتم إسقاطها فورا . لكن يبدو أن طائرة بيلوسى سلكت مسار مختلف جنبها خرق حظر الطيران الجوى الصينى .
ردود فعل الصين وحلفاءها على زيارة بيلوسى لتايوان
1- الصين : جاء رد فعل الصين على زيارة بيلوسى لتايوان سريعا حيث استدعت الخارجية الصينية السفير الامريكي وسلمته مذكرة إحتجاج على هذه الزيارة وما يترتب عليها من تقويض للعلاقات بين البلدين . كما اعلنت الصين عن قيام الجيش بمناورات بحرية وجوية بالذخيرة الحية على ستة محاور تحيط بتايوان مساء اليوم وحتى يوم الأحد القادم . وكأن الصين ترد إذا كانت بيلوسى قد أتمت الزيارة رغم تحذيراتنا فلن تغادر تايوان إلا بعد سماحنا بذلك .
2- روسيا : علقت الخارجية الروسية على زيارة بيلوسى لتايوان حيث ذكرت انها إستفزاز سافرا يأتى فى سياق النهج العدوانى الأمريكى الذى يهدف إلى ردع الصين . كما أضافت فى بيان لها نعتبر العلاقات بين الجانبين على مضيق تايوان فى أشارة إلى ( جمهورية الصين الشعبية – وجمهورية الصين ( تايوان ) ) شأن داخليا للصين ومن حق الجانب الصينى أن يتخذ كافة الإجراءات الضرورية لحماية سيادتها ووحدة الاراضى فيما يخض قضية تايوان . وأكد البيان على ان موقف روسيا يبقى دون تغيير وهو ان هناك صين واحدة وحكومة جمهورية الصين الشعبية هى الحكومة الشرعية التى تمثل الصين ككل وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين .
3- كوريا الشمالية : إنتقدت كوريا الشمالية زيارة بيلوسى لتايوان ووصفتها بأنها تدخل وقح من قبل واشنطن فى شئون داخلية لدولة أخرى . كما ذكرت الخارجية الكورية الشمالية أن هذه الزيارة تثير قلقا بالغا لدى المجتمع الدولى معلنة دعمها للاحتجاج الصينى القوى على هذه الزيارة . كما اعتبرت أن الإستفزازت السياسية والعسكرية الامريكية هى بالفعل السبب فى الاضرار بالسلام والأمن بالمنطقة كما أكدت بيونج يانج على ان تايوان جزء لا يتجزأ عن الصين وأن قضية تايوان هى شان داخلى للصين .
بريطانيا تعلن عزمها إرسال وفد برلمانى رفيع المستوى لزيارة تايوان
لم تلبث الاوضاع تهدأ فيما يخص زيارة نانسى بيلوسى لتايوان حتى أعلنت لجنة الشئون الخارجية فى مجلس العموم البريطانى عزمها تنظيم زيارة إلى تايوان فى نوفمبر أو ديسمبر من هذا العام كنوع من إظهار الدعم البريطانى لتايوان . وهو الأمر الذى يزيد من تدهور الاوضاع بين بريطانيا والصين . وهو الأمر الذى دفع سفير الصين فى بريطانيا إلى توجيه تحذير لنواب بريطانيا من عواقب وخيمة حال زاروا تايوان .
على الرغم من ضبابية الموقف فيما يتعلق بشرق أسيا وازمة تايوان لكن الصين هى من حقق مكسبا حتى الأن فعلى الرغم من إتمام الزيارة رغم التحذيرات الصينية فقد نجحت الصين فى إجبار الولايات المتحدة على التاكيد على وحدة الصين فى أكثر من مناسبة وهو ما يبدد أحلام تايوان فى الإنفصال عن الصين وإعلان الإستقلال مستندة إلى دعم أمريكى سياسى وعسكرى وهو ما اصبح بعيد المنال الان خاصة بعد عزم الصين إظهار عرض القوة وهو الأمر الذى سيرجح كفتها بالنهاية وعلى الرغم من كل هذه الامور إلا أن الأزمة مازالت قائمة وستزداد الرؤية وضوحا خلال الأيام القليلة القادمة
كاتب المقال أيمن مدين أمين أمانة جنوب القاهر بالحزب المصرى الديمقراطى الإجتماعى عضو أتحاد الاثريين المصريين