الأديبة شيماء غريب تكتب.. محدث نعمة
مُحدث النعمة أو محدث الثراء ذاك هو الشخص الذي عاش عمراً معدماً فقير لايعرف للحمد طريق ولا يرغب في وضعه ولا يرضي بحاله فتهبط عليه النعمة ويسمح له الثراء بأن يدخل مبني الحراك الإجتماعي فيتوهم ويتعايش كلياً بأنه من أصحاب الثراء ويعيش عيشة منافية تماماً لما كان عليه، يسلك سلوكاً جديدا غير ما كان يسلكه فتجد رأسه التي كنت تراها دوماً مطأطئة أصبحت مرفوعة عالية شامخة أمام الكبير والصغير علي حد سواء فلا يوقر الكبير ولا يهابه كما أنه لا يرق للصغير ولا يحنو عليه.
محدث النعم بمجرد أن تتوافر الأموال لديه تجده يفقد ذاكرة ماضية كما أنه لا يخشي مستقبله بل هو شخص ينشغل فقط باللحظة التي يعيشها وكأنه التهمها ويخشي من أن تفر وتهرب منه.
محدث النعمة شخص لا يشبع ولا يقنع ولا يكتفي معادياً لنفسه وللأخرين، يمتلك صوتاً عالياً باستمرار، يعلو نبرته الغضب والحدة في كلامه، كلما نظرت إلي وجهه تشعر دائما بحالة من عدم الإرتياح وكأن الله سلط عليه الدنيا بما فيها يركل فيها ويجري كـ الوحوش.
وإن جاز التعبير فأفضل ما يقال عن محدث النعمة أنه أصابته النعم، نعم أصابته بعد حرمان قاسي حاد مزمن لدرجة جعلته يلتهم النعم ويقبض عليها بيده وبقدمه وبأسنانه وينكلب عليها تكالباً، فصار يضرب بسيفها وبرمحها ويستجلبها لتجلب له المزيد والمزيد لكنه مهما فعل ومهما بلغ به الجهد لا ولن تجلب له احترام الناس له ولا ترقي بمكانته أبداً.
كيف يُحترم محدث النعمة وهو شخص فاقد للتقاليد والعادات العرفية وغير مراعي لآداب المجتمع، شخص مذموم منبوذ مريض بالكبر والتعالي يظن نفسه دوما أنه محصن بماله وبما لديه وغير مراعي للمصلحة العامة.
وهنا تتجلي قيمة النفس ومدي قواها وضعفها فالنفس القوية لا يذلها فقرا، والنفس الضعيفة لا تستطيع ثروة أن تعلو بها.
وأخيرا عزيزي القارئ اعلم جيدا أن النعم إذا ذهبت لن تعود فَقَيِدها بالشكر وأحطها بالإستغفار واستعملها في طاعة المنعم.