الاعلامية مها عبد الفتاح تكتب .. الزم حدودك
العلاقات الاجتماعية هي روح الحياة ،هي الأساس لبناء المجتمع والإنسان، ودون علاقات وتفاعل يصبح لدينا مجتمع ميت ومجتمع مقتول، لكن هذه العلاقات يجب أن تقوم على أسس صحيحة”.
لذلك عليك أن ترسِم حدودك بوضوح وبصراحة للآخرين, بين لهم ما يعجبك ومالا يعجبك ، حدد مواعيد الاتصال، وحدد الأمور التي لا تفضل الحديث عنها، إرسم حدوداً تبيين محبوباتك ومكروهاتك! ،إحترِم حدودَ الاخرين ومسافاتهم؛ لا تقترِب ما لم يسمحوا، ولا تجعل من نفسك استثناء دون غيرك من البشر عن طريق المباغتة والمفاجئة !
هنا أتذكر كلمات أحلام مستغانمي التى تقول «الحب هو ذكاء المسافة، الا تقتربَ كثيراً فتلغى اللهفة ، ولاتبتعد طويلا فتنسى،ولا تضع حطبك دفعة واحدة في موقد من تحب؛ أن تبقية مشتعلاً بتحريكك الحطب، ليس أكثر، دون أنْ يلمح الآخر يدك المحركة لمشاعره ومسار قدره،لا حب يتغذى مِن الحرمان وحده، بل بتناوب الوصْل والبعاد، كما في النفس، إنها حركة شهيق وزفير، يحتاج إليهما الحب لتفرغ وتمتلئ مجددًا رئتاه، كلوحٍ رخامى يحمله عمودان إنْ قربتهما كثراً اختل التوازن، وإنْ باعدتهما كثيراً هوى اللوح. إنه فن المسافة!"
إن مِن أكثر أسباب فشل العلاقاتِ، إلغاء المسافات؛ اعتقاداً مِنا أن هذا أفضل لتطوير العلاقة وتحسينها، إلا أن العكس هو الصحيح، فالمساحة الشخصية التي تحيط بالفرد يعتبرها مِلكا له، وغالباً ما يصيب البعض حالة من الذعر طالما يتخطى آخرون تلك المساحةَ.
البشر رائعون جميلون ما لم نقترب منهم! والإشكالية ليسَت فيهم، بل بكوننا اقتربنا أكثر، وكوننا لم نفهم أن البشر طبعوا على النقص وعدم الكمال، ونحن مَن يتحمل وزر المشاعر السلبية التي تكونت بعد الاقتراب الشديد منهم، وسمحنا لأنفسِنا بالوصول لما لا يجب الوصول إليه، وكشف ما كان يجب أنْ يستر, إن التفتيش في الصناديق المغلقة ربما يوصلنا لاكتشاف مالا يسرنا رؤيته، وفتح الستائر ربما جعلك تبصر لوحات ما كنت مضطراً إلى كشف قبحِها! لا تغص كثيراً في محيطات مَن حولك؛ فأغلب الظن أنك لن تخرِج جواهر ودرراً، بل عيوباً ونواقص!
من هنا نقول إن إدارة المسافاتِ حكمة ونعمة عظيمة لمن تمكن منها، والجهل بها غفلة، ومن حرِمها فقد خسر الكثير! لا تبتعد عن الدنيا بالترهب؛ فلا رهبانية في الإسلام، ولا تقترب منها بالشهواتِ فإنها منافيخ النار.
لا تقترب كثيراً فتملك الناس، ولا تبتعِد كثيراً فينسوك أو يجهلوك. لا تقترب من ذاتك أكثر فتصاب بالغرور، ولا تبتعِد عنها كثيراً فتشعر بالضآلة والدونية.
لكي يبقى الجميل جميلاً لا تقترِب منه كثيراً! البعض أجمل من بعيد، فحافِظْ على المسافة بينك وبينهم،فالحدود بين العلاقات الإنسانية هي مسافة الأمان التي تمنع اصطدامنا بمن حولنا أثناء سيرنا في الحياة، مثل مسافة الأمان التي تمنع مركبتين أثناء سيرهما على الطريق من الاصطدام.
الاقتراب الشديد من البشر ،كما أكد علماء الاتصال- يولد توترات ومللاً!، ولا تحتك بشكل دائم مع البشر ، فهو أدعى لحفظ الود وزرع المهابة !،و لا تضرِب حصاراً عاطفياً على مَن تحب؛ حتى لا تخسرة بكثرة الاتصالات والرسائل! لا تلغ المسافة باسم الحب!
وقد يراها البعض ضرورة تحافظ على الروابط مهما كانت خصوصيتها، وتقويها في وجه المشاكل وتغيرات الزمن، ويؤكد آخرون من خلال تجاربهم الشخصية أن الخطوط الحمراء والمساحة الخاصة ضرورة، في حين أن هناك من يتصورونها حواجز وقيوداً تمنع تواصلهم مع المحيطين بهم خصوصاً المقربين من الأزواج والإخوة والأصدقاء والأقارب، إلا أن الأمر، كما نراة ويراة المختصون، أشبه بميزان صحي، يحفظ بين الناس خصوصياتهم والاحترام المتبادل بينهم، بشرط أن يتم التعامل معه بوعي وذكاء.
رغم تلقائيتي المعروفة في علاقاتي مع الجميع ، لكنني أحرص على ألا أتجاوز حدودي في التعامل مع غيري، ولا أسمح لأحد أياً كانت علاقته بي أن يتعدى على خصوصياتي، أو يعاملني بأسلوب خاطئ يقلل من إحترامي، وهذا ينطبق على علاقتي بأقرب الناس إلي مثل أهلي وأصدقائى وصديقاتي وزملائى بالعمل.
للأسف هناك من يسعون إلى إزالة الحدود في علاقاتهم، معتقدين أن ذلك دليل على متانة العلاقة، وأقول لهولاء إنة يجب أن نرتقي في سلوكياتنا وتعاملاتنا، ونضع حدوداً في علاقاتنا بمحيطنا القريب والبعيد، بحب واحترام، لتساعدنا في تحقيق هدفنا بالارتقاء بأنفسنا وعلاقاتنا.
للأسف لقد تشابكت العلاقات الإنسانية في مجتمعاتنا حتى ضاعت الحدود الفاصلة فيما بينها، سواء عن عمد أو غير عمد، وأدى ذلك التشابك وعدم الوعي بحدود كل علاقة وضوابطها إلى ظهور مشكلات جديدة، كالزواج العرفي و”السري”، والعلاقات خارج إطار الزواج، ، كما ضاعت قيم الزمالة والصداقة، وتوارى المعنى الحقيقي للحب