المستشار محمد سليم يكتب.. عندما يجهل الجاهل أنه جاهل
الجهل أساس كل الشرور كما قال أفلاطون، فالجهل مع الدين إرهاب، والجهل مع الحرية فوضى، والجهل مع الثروة فساد، والجهل مع السلطة استبداد، والجهل مع الفقر إجرام، وهو أسوأ آفة قد تبتلى به أي أمة. والجهل ليس مجرد مشكلة فردية بل هو خطر ووباء يهدد مجتمعات كاملة وحضارات، فكم من حضارة قضت على الجهل وامتدت لعشرات السنين وكم من حضارة هزمها الجهل وأفناها).
ونرى الأخطر عندما يركب الغرور الجاهل ويتخيل أنة عالم ببواطن الأمور، أو أنة اصبح صحفى فوق العادة ، أو أنة السياسى الذى كان يستحق جائزة نوبل ،وأنة الوحيد صاحب الحكمة والفهم الرزين ،حتى يصبح عدو نفسه لأنه يعتقد نفسه حكيما، الى إن يندم على ما فعلة وما أتخذة من قرارات إنقلبت ضدة .
الجهل في ذاته لا يعني الأمية، وإن كانت الأمية نوعا الجهل، فقد يكون المرء أميًا ولكن لديه الاستعداد الدائم للمعرفة وزنة الأمور الحياتية بعقله، دون اللجوء إلى أدعياء العلم، وقد يكون المرء متعلما وحاملا تحت إبطية أعلى الشهادات الجامعية كالماجستير أو الدكتوراه، ورافعا فوق رأسه ألقابًا كالأستاذ الكبير، البروفيسور،والعالم الجليل إلى آخره، ومع ذلك يكون جاهلا.
ليس عيبًا أن يكون المرء جاهلا بشأن ما، ولا يفهمه لعدم الإحاطة الكاملة بكل جوانبها، إلَّا أن الجهل الكارثي بالفعل هو جهل الانسان بجهله، فيعتقد جازمًا بما يجهل مع أنه مخالف للحقيقة، أي أنه يدعي ما لا يعلم، عندئذ يصاب بوهم المعرفة التي غالباً ما تقوده إلى وهم التفوق والجهل المركب.
لذلك نجد الكثير في العمل وبين الأصدقاء والاقارب والجيران من هم أعداء أنفسهم ، ومنهم : الجاهل ، والأحمق ، والمتكبر، والغبى ، والبليد ، والتافه..! وكل من هؤلاء ، عدو لنفسه ، بطرق تختلف ، من حالة إلى حالة ، حيث نجد هولاء يفعلون بأنفسهم مالا يفعل العدو بعدوة، حتى أنة قيل ابتعدوا عن جاهل ويجهل أنه جاهل فانبذوه لان من أخلاق الجاهل الإجابة قبل أن يسمع، والمعارضة قبل أن يفهم، والحكم بما لا يعلم، وإتخاذ القرارات التى تعصف بة الى الهاوية
وهنا نجد كيف ثار الحمارمن جهل صاحبة من خلال القصة الشهيرة عندما ورث الطبيب توما المهنة عن أبيه الذي كان حكيما ماهراً، وللأسف لم يكن الابن في مهارة أبيه، ولكن احتفظ بلقب الحكيم رغم جهله، وقلة علمه، وانعدام حكمته، إلى درجة أن حماره ثار عليه، وطالب بأن يركبه لا أن يكون ركوبته.. حيث قال حمار الحكيم توما ... لو أنصف الدهر كنت أركب .. فأنا جاهل بسيط ... وراكبي جاهل مركب
ونؤكد هنا إن ظهور الجهل وانتشاره من علامات قرب وقوع الساعة ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن بين يدي الساعة لأياما ينزل فيها الجهل ويرفع فيها العلم ويكثر فيها الهرج والهرج: القتل)) ، وقال أيضا: “إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنا”
لذلك نقول أعرض عن الجاهل السفية فكل ما قال فهو فية .. ما ضر بحر الفرات يوما.. إن خاض بعض الكلاب فية، أوصل لهولاء الجهلة السفهاء بأن حواسك لا تملك مستقبلات عصبية للتفاعل مع ما يقولون ويفعلون،وأشعِرْهم أن عندك مصانع خاصة تتسلم شحنات السفاهة الخام، وتقلبها إلى مركب مختلف جديد قوامه الصبر والرضا بل والسرور، وأعلموا إن الصمت عن جاهل وأحمق أصابة الغرور شرف .
وفى الختام لا نجد سوى هذا الدعاء أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ، اللهم أبعد عنا الجهل و العصبية و البعد عن الحق .. و ارزقنا الأخلاص لوجهك فى كل عمل نعمله .. اللهم أرنا الحق حقا والباطل باطلا .. اللهم ميز لنا الخبيث من الطيب و ابعد عنا المنافقين و السفهاء من الناس !
كاتب المقال المستشار محمد سليم البرلمانى السابق ورئيس المكتب العالمى للمحاماة والاستشارات القانونية