تفاصيل مثيرة فى عملية إغتيال ” حسن أبو باشا ”
العملية الفاشلة التى تعرض لها اللواء حسن أبو باشا وزير الداخلية الأسبق تحمل في ثناياها عوامل قاطعة على إرهاب الجماعات المتطرفة التى ولدت من رحم جماعة الإخوان المشبوهة تؤكد مدى العنف الراسخ فى صدور تلك العناصر المنتمية .
بوابة " الدولة الإخبارية " تنشر اليوم تفاصيل تلك المحاولة ، والتى يتضمنها كتاب " جماعة الدم " للكاتب الصحفى عبد الناصر محمد وهو الكتاب الصادر عن دار العالمية للصحافة والنشر والتوزيع برئاسة الكاتب الصحفى هشام جاد والذى يُعرض بجناح دار المعارف بمعرض القاهرة الدولى للكتاب المقام حالياً بأرض المعارض بالتجمع الخامس.
أكد الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد فى كتابه أنه
عقب تنفيذ المؤامرة الكبرى التي تعرضت لها مصر في ذكرى الاحتفال بنصر أكتوبر المجيد وتحديداً يوم السادس من أكتوبر عام ١٩٨١ ، والمعروفة إعلامياً بحادث المنصة، والتي راح ضحيتها الشهيد الرئيس أنور السادات بطل الحرب والسلام ، وما أعقبها من محاولة دامية من جانب العناصر الإرهابية المنتسبة لجماعة الإخوان المشبوهة، وما انبثق عنها من فرق دموية بمسميات مختلفة، وعلى رأسها تنظيم الجهاد ، تولى اللواء حسن سليمان أبو باشا المسئولية عن جهاز مباحث أمن الدولة، ومكث في هذا المنصب ستين يوما فقط أثبت خلالها جدارة فائقة، ونجح في وأد العديد من العمليات الدموية التي كان الإرهابيون ينون تنفيذها، ومنها محاولة الاستقلال بمحافظة أسيوط وإعلان جمهورية لأباطرة الفكر الإرهابي بها ، واستطاع أبو باشا ورفاقه من ضباط الأمن البواسل التصدي لتلك الفئة الضالة، بل والقبض على عدد كبير منهم وتقديمهم للعدالة ، وبخاصة عناصر تنظيم الجهاد الذي ارتكب جريمة اغتيال السادات، والذي كان وراء الأحداث الدامية التي شهدتها محافظة أسيوط عقب حادث المنصة.
ومنذ تلك المواجهات الرادعة ضد الإرهاب وعناصره الدموية أضحى أبو باشا الذي أصبح وزيراً للداخلية في بؤرة الميكروسكوب الدموي للإرهابيين، والذين نظموا أبياتاً شعرية يتوعدون فيها أبو باشا، وكانوا يلقونها في السجون وأيضا في المحاكم ، وكانت تقول هذه الأبيات : -
ودعتُ طعاماً وفراشاً وبدأتُ أعُد الرشاشَ
فإذا مضيتُ به قدماً لن يفلت منه أبو باشا
سأقاتل هذا الخفاش َ أبداً لن يدرك إنعاش َ
ورغم كل هذا التهديد والوعيد إلا أن حسن أبو باشا استمر في أداء رسالته بكل جرأة وشجاعة ، وكان يمارس عمله بكل حرفية وإتقان، كل همه إعادة الاستقرار إلى ربوع الوطن، لم يشغله فوهات بنادق الإرهاب المصوبة نحو صدره، استطاع أن يقضي على الفوضى التي أشاعها في البلاد عناصر فاسقة عاثت في أرض الوطن الطاهرة ظلماً وجوراً وفساداً، ونجح في زرع الطمأنينة في قلوب أبناء الوطن، فبحق لقد أدى الرجل لبلده مهمة كبيرة استطاعت أن تمتص كثيراً من أسباب التوتر، وأن تعيد الأمور إلى طبيعتها في وقت قياسي كادت الدولة فيه أن تغرق في بحار من الدم.
المشهد الأول :
في يوم ٧ رمضان عام ١٤٠٧ هجرية الموافق ٥ مايو سنة ١٩٨٧ استجاب اللواء حسن سليمان أبو باشا وزير الداخلية في الفترة من بداية عام ١٩٨٢ حتى عام ١٩٨٤ لدعوة ابنته له للإفطار معها ومع أولادها ومع زوجها السياسي الشهير حسام بدراوى الطبيب البارع .. لم يستمع أبو باشا لنصائح الأطباء المتعلقة بعدم تناول المسبكات والأكلات الدسمة، وأفرط في الطعام خاصة في الأصناف التي أعدتها كريمته له خصيصاً وأجهز عليها في ظل جو أسرى رائع، وتجمع رمضاني متميز، وفى أجواء تفتح الشهية تظللها نفحات رمضانية وسط بهجة أسرية تغمرها فرحة عارمة تجمعت فيه الابنة مع أبيها الذي ظل طول عمره حنوناً على أبنائه الذين لم يشعروا يوماً أنه رجل أمن، بل كان مثل معظم آباء ذلك الجيل العظيم طيباً عطوفاً يضم أبنائه بين ضلوعه بكل حب وحنان.
بعد تناول الإفطار الشهي قام أبو باشا لأداء صلاة المغرب في الوقت الذي أعدت فيه كريمته وليمة أخرى ولكنها كانت مكونة من مختلف حلويات الشهر الفضيل، حيث لم تخلو من الكنافة والقطايف والخشاف ، ولكنه في هذه المرة عمل بنصيحة الأطباء ولم يفرط في تناولها ، وحان وقت صلاة العشاء فقام الضيف الأب اللواء حسن أبو باشا لأداء الفريضة، ثم أعقبها بصلاة القيام ثم قرر أن يعود إلى منزله الكائن بحي العجوزة رافضاً إغراءات ابنته وأحفاده بالمبيت معهم وأيضاً السحور معهم ، قائلاً بخفة ظله المعتادة : " يعنى يبقى فطار وسحور كمان ده أنا ضيف تقيل أوى " .. هذه المداعبة أثارت نوبة من الضحك بين الجميع .. بعدها ودعهم ثم طبع قبلة على جبين ابنته والتي ارتمت هي الأخرى في حضنه وأكدت عليه أن يقود سيارته بحرص شديد فهي تعلم أنه بمفرده ويقود السيارة بنفسه بعد أن أعطى سائقه الخاص إجازة.
المشهد الثاني :
في تلك الفترة العصيبة التي شهدت أحداثاً دموية منذ عملية اغتيال الرئيس أنور السادات والتي أعقبتها ضربات أمنية، قام أحد عناصر تنظيم الجهاد وهو طبيب يدعى " مجدي زينهم على الصفتى " بتأسيس تنظيم سرى جديد تحت مسمى " الناجون من النار " ، وضم هذا الكيان الإرهابي عناصر شديدة الخطورة ومتشددة لأقصى درجة، وتردد في ذلك الوقت أنها ممولة من إيران ، و قامت تلك الجماعة بتكفير المجتمع كله ليس رجال السلطة والحكم فقط وإنما كل فرد لا ينتمي إلى جماعات العنف والإرهاب ، وكان من بين هذه العناصر ياسر برهامي و الطبيب حسين الظواهري شقيق أيمن الظواهري الرجل الأول في تنظيم القاعدة بعد اغتيال أسامه بن لادن ، والغريب أن تنظيم القاعدة قام أيضاً على نفس المبادئ التي قام عليها جماعة الناجون من النار، وهناك تشابه وتقارب في الفكر بين التنظيمين الإرهابيين.
وكان الصفتى ومن معه يعتقدون أنّ المجتمع من حوله مستحقّ للقتل ، فحرم العمل في أجهزة الدولة، ودفع الضرائب وعدم جواز الصيام مع رؤية هلال رمضان بفتوى الأزهر، وحرمت الجماعة الأكل من الذبائحِ عند الجزارين، فلا تجوز ذبائح المرتدين.
المشهد الثالث :
أمام العمارة التي يسكن بها حسن أبو باشا تقف سيارة مازدا يستقلها شابان، أحدهما متهيئ تماماً لاصطياد فريسته، حيث يضع في جعبته رشاش آلي، ويمضى وهو مترقب ظهور الصيد الثمين .. فجأة يأخذ الفتى وضع الاستعداد حيث رأى سيارة أبو باشا تقترب وتتجه نحو منزله، وفرح الفتى لأنه لا يوجد في السيارة غير أبو باشا ، وما أن نزل أبو باشا من سيارته بعد وضعها بجوار سيارة ابنه إذا بالفتى يفتح النار عليه، وانهال وابل من الرصاص على الرجل الذي كان يدرك تماماً أنه على رأس أهداف تلك الجماعات الإرهابية .. واخترقت رصاصات الغدر والخسة جسد الرجل الذي أدرك تماماً أنه على بعد لحظات من الموت المحقق، وسقط أرضاً ليجد نفسه وسط بركة من الدماء لا يستطيع تحديد مكان الإصابة بجسده، فقط هو على يقين من أنه مصاب بشدة، بدليل تلك البحيرة من الدماء فعلى الفور نطق الشهادتين وبدأ يردد آية الكرسي كما اعتاد منذ صغره على قراءتها خاصة عند المحن وأوقات الشدة ، وفى المقابل صعد الفتى فوق سيارة لكي يتأكد أن أبو باشا أصبح في عتاد الموتى ، وأمطره بدفعة جديدة من الرصاص، غير أن الأقدار شاءت ألا يصاب أبو باشا مجددا ، في هذه الأثناء قام أبو باشا برفع يده اليسرى وألقى بنفسه بين سيارته وسيارة ابنه، وألقى برأسه على الأرض متظاهراً بأنه مات؛ مما جعل الفتى الإرهابي يفر من أمامه خاصة حين قام حارس أمن بإطلاق الرصاص تجاه صاحبه الذي يقود السيارة ، وأصابه إصابة طفيفة مما جعله يسرع في ركوب السيارة والفرار من مسرح الجريمة.
بعد تلك الأحداث التي استغرقت بضع دقائق أصيب الرجل برصاصة في فخذه الأيسر وعدة رصاصات في يده اليسرى، وتم نقله في بادئ الأمر إلى مستشفى الشرطة وهو في حالة إعياء شديدة، ثم سرعان ما تم نقله إلى مستشفى النيل بدراوى ، وقد أكد كل الأطباء وعلى رأسهم طبيب ألماني أن هذا الرجل - أي حسن أبو باشا وزير الداخلية الأسبق - قد عاد للحياة من ثقب إبرة " .. وبالفعل كتب الله لأبي باشا النجاة من تلك العملية، وتم القبض فيما بعد على مجدي الصفتى وعدد من أتباعه، وحُكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة وفى عام استيلاء الإخوان على مقاليد الحكم نقل من محبسه إلى مستشفى المنيل الجامعي، وتمكن من الهرب بالطبع بمساعدة عناصر من جماعة الإخوان، ولكن تم القبض عليه مرة أخرى عام ٢٠١٥.