مختار محمود يكتب : اللهم أعز الإسلام بـ”بوتين”!
"اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: أبي الحكم بن هشام، وعمر بن الخطاب"..سواء كان هذا الحديث صحيحًا أو غريبًا أو ضعيفًا، فإن التاريخ يؤكد أن الإسلام لم يزل في بدايات الدعو النبوية ضعيفًا حتى دخله عمر بن الخطاب، فاختلف الوضع جذريًا.
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً قويًا في الحق، لا يخشى في سبيله أحدًا. وثبت عنه صرخته المدوية قبيل الهجرة إلى يثرب: "فمن أراد أن تثكله أمه، وتُرمل زوجته، ويُيتم ولده، فليخرج للقائى خارج الحرم، أو ليعترض طريقى و طريق من معى".
التاريخ لا يعترف بالضفعاء ولا يحتفي بهم ولا يقدرهم. الأقوياء فقط هم من تُسمَع كلمتهم، ويُخشى جانبهم، وتُخلد سيرتهم؛ لذا لم تعلُ راية الإسلام سوى بأقوياء الصحابة وشجعانهم مثل: عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وحمزة بن عبد المطلب وأقرانهم من الشجعان البواسل.
لا بد للحق من قوة تحميه. لا يتنزل النصر من السماء دون الأخذ بالأسباب. يقول تعالى: "وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"، ويقول أيضًا: "وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ". ارتفعت رايات الإسلام وانتشر شرقًا وغربًا وخافه الملوك والأكاسرة عندما كان حكامه أقوياء لا يتخاذلون ولا يهادنون ولا يطأطئون الرؤوس.
لقد بدأ الإسلام غريبًا عندما كان أتباعه عشرات أو مئات، وها هو ينقلب غريبًا بعدما اقترب معتنقوه من حاجز المليارين، ولكنهم تنطبق عليهم نبوءة الرسول الكريم: "توشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت".
وسط تصاعد تيار الإسلاموفوبيا في العالم وتجرؤ بعض المعاتيه عليه طعنًا في الدين وتطاولاً على ثوابته، واستهزاءً بطقوسه وشعائره، وحرقًا للمصحف الشريف، واضطهادًا لأتباعه..يلتزم ملوك وحكام ورؤساء وكبار المسؤولين في 57 دولة إسلامية الصمت التام، لا يعبرون عن غضبهم إن وُجِد، ولا يعلنون استياءهم، ولسان حالهم يردد: "للإسلام رب يحميه..لا شأن لنا به"، يساعدهم في ذلك شيوخ ورجال دين كأنهم من نسل عبد الله بن أُبيِّ بن سلول.
وفي مقابل هذه الحالة الواهنة المتردية الرديئة وعلى الشاطيء الآخر من النهر.. يبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي نشأ وتربى وعاش في كنف نظام يكره الأديان، أكثر حمية على الإسلام، يسؤوه حرق المصحف، يُغضبه رسم مسيء للرسول الكريم، يستفزه إجبار مسلمة على خلع حجابها، ويعلن ذلك صراحة عبر وسائل الإعلام العالمية ذائعة الانتشار.
"بوتين" يمتلك شخصية قوية قادته إلى أن يتحدى العالم بأسره، ويخوض حربًا ضروسًا لتأمين مصالح بلاده، ويرفض قرارات المحكمة الدولية؛ لأنه يمتلك القوة الكافية للرد والردع والدفاع والهجوم، وكأنه يتجسد قوله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطتعتم من قوة ومن رباط الخيل، ترهبون به عدو الله وعدوكم".
يُثمن الرئيس الشيشاني المسلم رمضان قاديروف احترام وتقدير " بوتين" للإسلام " ، واستشهاده بآيات القرآن الكريم خلال استقباله رؤساء العالم، واحتفاظه بنسخة من المصحف الشريف على مكتبه، واصفًا إياه بأنه "قائد عادل وحكيم"..وتلك صفات يندر توافرها في الحكام المسلمين كما تعلمون!
في موجة الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في فرنسا، ومن قبلها الدنمارك..أظهر " بوتين " رفضه هذا السلوك الشائن المستفز لمشاعر عموم المسلمين، وأكد أن ذلك أبعد ما يكون عن الإبداع والفن، كما حظر على وسائل الإعلام الروسية إعادة نشر هذه الرسوم.
وخلال مشاركته في قمة الدول المصدرة للغاز التي أقيمت في طهران..أهدى الرئيس "بوتين" أقدم نسخة خطية للقرآن الكريم في موسكو، إلى المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي ، كما أهدى نسخة مماثلة إلى المسجد الأموي في سوريا.
وخلال القمة الثلاثية التي جمعته مع نظيريه التركي والإيراني في أنقرة عام 2017..استشهد "بوتين" بآية من سورة "آل عمران".
ولا يفعل "بوتين" ذلك؛ في سياق الدعاية والترويج له في بلاد المسلمين، فهو ليس في حاجة إلى ذلك؛ والدليل أن روسيا من أكثر البلاد غير الإسلامية احترامًا للإسلام واحتواءً لغير المسلمين؛ فعلي أرضها أكثر من 6 آلاف مسجد، تفتح أبوابها للمسلمين، يؤدون شعائرهم في رحابها، دون تضييق عليهم، ولا تخضع منابرها للتأميم ولا لتوحيد الخطبة ولا قصرها إلى بضع دقائق.
لذا ومن أجل ما تقدم وغيره ..يحظى الرئيس فلاديمير بوتين باحترام وتقدير عموم المسلمين الذين يتمنون أن يحذو حكامهم أو بعضهم أو قليل منهم حذوه، ويسلكوا مسلكه، حتى يسترد الإسلام جانبًا من قوته المفقودة؛ بسبب مَن وصفهم الرسول الكريم بـ"غثاء السيل"!