الكاتبة الصحفية أمال ربيع تكتب ..الاعتذار سلوك الأقوياء
ما أحوجنا اليوم إلى ثقافة الاعتذار وإشاعة روح التسامح والعفو والرحمة في مجتمعاتنا لتقوى علاقات المودة بيننا ونحمي مجتمعاتنا من كثير من المشكلات والأزمات التي تصدرها نفوس مشحونة بالغضب والرغبة في الانتقام.
سامحنى واصفح عنى ، سامحنى على التفكير ،على التقصير، على اللى فات ، على سوء الظنون لا تتركنى ،لا ترفضنى هي كلمات بسيطة لكن لها مفعول السحرللمتلقى لها
سلوك الأقوياء
بعد الاعتراف بالخطأ يأتي الاعتذار وهو سلوك الأقوياء الذين يمتلكون شجاعة الرجوع إلى الحق والاعتراف به، وينبغي أن يتم الاعتذار من دون تعالٍ أو تلاعب بالكلمات وتحريف للمعاني كما يفعل البعض، فالاعتذار إعتراف واضح بالخطأ، ودليل على قوة الشخصية التي تقدر أن الوقوع فيه لا يعني أن الشخص سيئ أو أنه فاشل بل هو إفصاح عن سوء الاختيار أو إخفاق في اختيار التصرف السليم.
الاعتذار- يكسب المعتذر احترام الآخرين، ويشجعهم على التسامح والعفو معه، ومن لم يقابل الاعتذار بتسامح وعفو هو خارج عن إطار الأخلاق الإسلامية التي تلزم المسلم وغيرة بالعفو والتسامح والرحمة في التعامل مع المخطئ المعترف بخطئه.
إن الإنسان السوي هو الذي يقبل أعذار الآخرين ويتعامل معهم بتسامح ويتسلح بخلق العفو عند المقدرة، وقبول اعتذار المعتذر ليس قبولا بالأمر الواقع أو ابتلاع الإهانة، بل هو سلوك المتسامحين المنصفين الذين يعرفون قيمة الصفح والتسامح،أما الذين يرفضون الاعتذار ولا يقبلون أعذار الآخرين ولا يقدرون الظروف الصعبة التي دفعتهم إلى التجاوز والإساءة فهم أصحاب نفوس متشنجة تغيب عنها أخلاق الإسلام، وهؤلاء للأسف غالبا ما يكونون سببا مباشرا في تضخم المشكلات الصغيرة.
ضعاف النفوس هم الذين تأخذهم العزة بالإثم ويتهربون من الاعتذار عن الأخطاء والتجاوزات التي ارتكبوها، وأضعف منهم هم الذين يرفضون قبول الاعتذار.
عندما يراجع المخطئ نفسه أو يراجعه أهله فيعترف بالخطأ ويأتي معتذراً ويطلب العفو فيجب أن يجد آذاناً صاغية وقلوباً متسامحة، وعقولاً واعية بمخاطر استمرار النزاعات وعدم تصفية الخلافات.
ونعلم إن العفو عند المقدرة من الفضائل الكريمة التي تدل على نبل صاحبها وسماحته، وعلى أصالة معدنه وطيب سجاياه، وهذا الخلق الكريم لا يبدأ من فراغ وإنما ينبع من القلوب الطاهرة النقية التي جبلت على الكرم والإحسان، ولنا في الرسول صلوات الله وسلامه عليه أسوة حسنة في هذا المضمار، فبعد أن فتح الله عليه مكة وأصبح الذين آذوه بالأمس واضطهدوه ومكروا به وأخرجوه، في قبضة يده، وفي وسعه وقدرته، أن ينزل بهم من العقاب ما يشاء إلا أنه واجههم بنفسه السمحة وبعفوه الشامل، فقال لهم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
إن العفو عن المسيء - يحول الكاره إلى محب، والعدو إلى صديق، فكما أن للعفو أثره في نفس من يعفو حيث يعينه على التقوى، وعلى راحة الضمير، وسكينة النفس فإن له كذلك أثرا بالغا فيمن يعفو الإنسان عنه، حيث يستشعر خطأه، وإساءته، ويرى كيف قوبل خطؤه بالعفو والإحسان فيثوب إلى الرشد والصواب، وتنطفئ من داخله الكراهية وتذوب النزعة العدوانية ولا يملك إلا أن يكون مع أخيه كأنه ولي حميم، قال الله تعالى: «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم».
واجبنا أن نعلم أبناءنا منذ الصغر التي تربت على العناد والإصرار على المواقف الخاطئة، بإن الرجوع إلى الحق فضيلة، وأن الاعتراف بالخطأ سلوك أخلاقي لا يصدر إلا عن أصحاب النفوس القوية، وهو ليس علامة ضعف، بل هو يكشف عن رجاحة العقل والأمانة والنزاهة والإنصاف في التعامل مع الأمور كلها.
إن كنتم تريدون أموراً تسع الجميع، فهيا الى التسامح وقبول الاعتذار، فمهما تعلم الناس من فنون، فلن يتعلموا شيئاً يشبه فن التسامح، إنّها القلوب النقية التي تسبح الله الغفور الرحيم صباحاً مساءً.
كاتب المقال الكاتبة الصحفية أمال ربيع مدير تحرير الاخبار ومدير تحرير موقع بوابة الدولة الاخبارية