الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد يكتب: لعبة الدولار الخطرة !
في الأيام القليلة الماضية بدأ الدولار في السوق السوداء بالنزول في سعر الصرف أمام الجنيه ليسجل ما بين 52 إلى 60 بعدما كان يسجل فوق 70 جنيها، وبالطبع هناك أساب لذلك يأتي أولها أن المستورد ذاته يجد أن سعر الدولار في السوق السوداء التي يعتمد عليها في توفير الدولار مرتفعا للغاية وبالتالي إذا اشتراه بهذا السعر فإنه سيضطر لرفع أسعار ما يستورده بصورة كبيرة تؤثر على حركة البيع؛ مما يجعل هناك خسائر محتملة أو على الأقل حبس المال في السوق لفترة طويلة؛ مما ينعكس بالخسائر أيضا، فأحجم ذلك المستورد عن الدولار بذلك السعر، فانعكس ذلك على غلاء أسعار بعض السلع مع نزول الدولار في السوق السوداء؛ مما جعل البعض يندهش من نزول سعر الدولار ورغم ذلك ترتفع الاسعار بالطبع الارتفاع نتيجة الإحجام عن الاستيراد وقلة السلعة المعروضة، ووفقا لنظرية الأواني المستطرقة ترتفع باقي السلع غير المستوردة كذلك، ولكن مع نزول الدولار إلى أرقام يعدها المستورد معقولة مثل 60 جنيها سيعاود الشراء مما يجعل الدولار يرتفع مرة ثانية، وهكذا بعجز الحكومة عن تنظيم السوق والتدخل لأنها ببساطة لا تملك الدولار الذي تضخه بالبنوك لتنظم سعره، كما أنها هي نفسها تشتري أحيانا الدولار من السوق السوداء ! .
ومن أساب نزول سعر صرف الدولار قيام البنك المركزي برفع أسعر الفائدة، وهذا يجعل بعض الحائزين للدولار والمتاجرين به والذين يرغبون بالاستثمار في التوجه لشراء الشهادات ذات العائد المرتفع وبالتالي يقل الطلب على الدولار، كما يقل الطلب على الذهب مما أدى إلى انخفاض أسعاره كذلك، هذا غير توسع السلطات في توقيف المضربين وكبار تجار العملة؛ مما جعل البعض يتجه للبيع والخروج من سوق الدولار.
ومن أهم عوامل نزول الدولار في الفترة السابقة ما انتشر عن تدفقات استثمارية خارجية وخاصة من دول الاتحاد الأوروبي، وأيضاً الحديث بشكل إيجابي عن المفاوضات التي تجريها الحكومة المصرية مع صندوق النقد بشأن زيادة برنامج التمويل الخاص بمصر، مع انتشار تصريحات ومعلومات عن استثمارات خليجية ضخمة بمليارات الدولارات ستدخل مصر الأيام القادمة، الأمر الذي يعني أن الحكومة ستتجه للتعويم وبالتالي سيكون لديها كمية ضخمة من الدولارات تضخها في البنوك وتحدد السعر للدولار في حدود 45 جنيها؛ مما سيقضي على السوق السوداء، وسيجد من حاز الدولار بسعر مرتفع للتجارة أن دولاراته صارت غير ذات جدوى، ومع قرار عدم ضخها في البنوك ومراقبتها ستكون الخسارة كبيرة جدا مما جعله يسارع للبيع؛ الأمر الذي انعكس على حالة نزول سعر الدولار أمام الجنيه، ويتوقف استمرار ارتفاع الجنيه المصري مقابل الدولار في السوق السوداء على مدى توفره في البنوك، ودخول حصيلة دولارية جديدة سواء من صندوق النقد أو الشركاء الدوليين، إضافة إلى تعزيز مستويات الإنتاج والتصنيع، وتوفير بدائل محلية للسلع المستوردة.
ولا نستطيع أن نرجح استمرار تراجع الدولار في السوق السوداء ذلك لأن الأمر يعتمد على سرعة توفير الدولار في البنوك، فكلما كانت العملية في التوفير بطيئة يعاود الدولار الارتفاع بعد ان يطمئن التجار ان الحكومة عاجزة عن توفير الدولار، خاصة والمستوردين يريدون توفير الدولار من أجل استيراد مستلزمات رمضان . ومن المعلوم أن تجار السوق السوداء خلال الفترة الماضية يتعاملون مع الدولار وكأنه سلعة يجمعون الدولار من السوق لإحداث نوعا من الإرهاب الاقتصادي وإحداث بلبلة وهز ثقة المواطنين مستغلين الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، فسعر صرف الدولار في السوق السوداء وهمي وغير حقيقي وسيتراجع أكبر الفترة القادمة خاصة إذا حدث تحريك جديد لسعر الصرف المنتظر، وهذا مرهون بتوافر حصيلة دولارية خلال الفترة المقبلة لدى البنك المركزي ليستطيع توفير العملة الأجنبية للمستوردين ولا يلجأون للسوق السوداء للعملة . والمضاربات على الجنيه مستمرة منذ عامين، وقد كانت هناك حالة من الهلع داخل السوق المصرية واتجاه الناس إلى التخلص من الجنيه وشراء الذهب والعقار أو اقتناء الدولار.
وقد أكدت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا أن المفاوضات لزيادة قيمة برنامج القرض المصري في المرحلة الأخيرة وأنه العمل يجري على التفاصيل المتعلقة بالتنفيذ، وتم تمديد مهمة الصندوق إلى مصر لحل تعقيدات تنفيذ التغييرات في السياسات وأن مصر وافقت على التحرّك مع مرور الوقت نحو استهداف التضخم في السياسة النقدية. وفي نفس الوقت أعلن الاتحاد الأوربي عن دعما ماليا جديدا لمصر، بحسب ما أعلنت وزارة الخارجية ، أن مفوض الاتحاد الأوروبي لسياسة الجوار والتوسع أوليفر فارهيلي أبلغ وزير الخارجية سامح شكري في اتصال هاتفي بأن الاتحاد قرر تخصيص دعم مالي واقتصادي إضافي للبلاد. وأضافت الخارجية أن الاتحاد الأوروبي أقر المخصصات المالية الإضافية لدول الجوار، ومن بينها مصر، خلال قمة عقدت في بروكسل في إطار المراجعة النصفية للميزانية الأوروبية للفترة 2021-2027.