الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد يكتب : منزل شهبندر التجار .. جمال الدين الذهبى شاهد على روعة زمان ( ١٧ )

إنه واحد من أقدم وأعرق المنازل التى تدخل فى قائمة آثار مصر المحروسة والذى مازال محتفظا بكل معالم الروعة والإبداع المعمارى .. إنه منزل جمال الدين الذهبى شهبندر التجار كبير تجار مصر الذى يطلق عليه فى هذه الأيام رئيس إتحاد الغرف التجارية ..
أشتهر جمال الدين يوسف بن محمد بإسم الذهبى لكثرة النقود الذهب التى كانت كثيرا ما تظهر معه ويتعامل بها .. جمال الدين كان أكبر تاجر للفلفل والسكر والأقمشة وقد شغل منصب نائب شهبندر التجار لمدة عشرون عاما وكان هذا الشهبندر هو والده الخواجة ناصر الدين ، وكان لقب خواجة يطلق على كبار التجار.
منزل جمال الدين الذهبى تم بنائه سنة ١٠٤٧ هجرية الموافق ١٦٣٧ ميلادية فى حارة خوش قدم بمنطقة الغورية وهو عبارة عن بيت له ٣ واجهات حجرية وله صحن مكشوف .. فى وسط المنزل نافورة مياه " فسقية " من الرخام منقوشة بإبداع شديد وبألوان متميزة ، والطابق يضم مخازن الغلال وغرف مخصصة لسكن الحرس والخدم ، أما الطابق الثانى به " درقاعة " وهى عبارة عن مساحة صغيرة ذات أرضية منخفضة أحيانا يتوسطها فسقية أو فوارة المياه.
ويوجد أيضا مكانين لإستقبال الضيوف ومكان للرجال أما الدور الأول فهو " سلاملك " لإقامة الرجال وأيضا " حرملك " لإقامة النساء .. ومكتوب إسم المنشأ وتاريخ الإنشاء على سقف المقعد.
منزل الذهبى ملىء بالمشربيات المصنوعة من الخشب عالى الجودة وأسقف مكونة من براطيم " أى منتفخة " ومن أشكال تماسيح ، وذلك يعنى كتل من الخشب المزخرف والمذهب وحمام خاص.
هذه الجدران طالما إحتصنت جلسات كبار تجار مصر ليس لكى يتسامروا ولكن لمناقشة حال التجارة والتجار فى مصر ويتدارسون قرارات المسئولين ويبحثون كيفية مواجهة الأزمات التى تعانى منها الأسواق تماما كما تفعل الغرفة التجارية الآن.
هذه الجدران وتلك الأروقة طالما شهدت جلسات عرفية لبحث النزاعات المختلفة التى تحدث بين التجار وأيضا بين الأهالى وشهدت إقامة الولائم للإعلان والإحتفال بإتمام الصلح بين الطرفين وإنهاء الخصومة .. وهذه غرفة مخصصة للراقصات والمغنيات ليقمن بتغيير ملابسهن فيها عند الاحتفالات والمناسبات السعيدة وما كان أكثرها فى بيت شهبندر تجار مصر .. وهذا مكان مخصص لإعداد القهوة التركى وراءه باب سرى كان يوجد فى كثير من البيوت وكان يحرص عليه صاحب البيت برغم ثرائه إلا أنه كان لا يأمن الزمن فضلا عن أنه كان لا يأمن غدر أصحاب السلطة والنفوذ فكانوا يصرون على الغرفة السرية حتى يختبأون بها فى حالة محاولة القبض عليهم.
كان بيت جمال الدين الذهبى رمزا للكرم حيث كان ملجأ لكل محتاج رغم قيام جمال الدين الذهبى بإنشاء سبيل وكتاب فى حارة المقاصيص متفرعة أيضا من شارع المعز حيث يتم الإنفاق من خلاله على الفقراء فضلا عن تعليم الأيتام القراءة والكتابة.
وكما تعلمنا من التاريخ العريق فلا تبقى الدنيا على حالها فها هو جمال الدين الذهبى شهبندر التجار والذى مثالا للفتوة والقوة يصبح جسده نحيلا عليلا بعد إصابته بالطاعون والوباء ومعه ٣٢ فردا من عائلته وجميعهم يلقون حتفهم إثر هذا المرض اللعين ويسدل الستار على حياة هذا الرجل العظيم ولكن بقيت سيرته العطرة وبقى منزله الأثرى صرحا شامخا و نموذجا رائعا على الفن مبدع المتميز.
كاتب المقال الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد مدير تحرير بوابة الدولة الإخبارية والخبير المالى والإقتصادى