الكد والسعاية.. حق المرأة فى الفقه الإسلامي كما يرصده محمد بشاري

يعد حق الكد والسعاية من الموضوعات المهمة التي يحتاج المجتمع لمعرفة الكثير عنها، لأنها بالفعل تهم قطاعا كبيرا من الناس، ومؤخرا فاز كتاب الدكتور محمد بشاري بجائزة الشيخ زايد فرع التنمية وبناء الدولة وذلك عن كتابه "حق الكد والسعاية.. مقاربات تأصيلية لحقوق المرأة المسلمة"، الصادر عن دار نهضة مصر للنشر.
ويقدم الدكتور محمد بشاري في كتابه قراءة فقهية تأصيلية لمفهوم الكد والسعاية في الإسلام، موضحًا جذوره في الاجتهاد الفقهي، وقدرته على مواكبة التغيرات الاجتماعية.
وجاء في مقدمة الكتاب:
لم تترك بصائرُ الفقهاء المسلمين ولا عقولُهم الفذَّة أيًّا من النوازل الملامِسة لوجدان الإنسان واحتياجه إلا وامتثلت لنداء مسئوليتها تجاههم؛ فكانت خير مَن بحثَ وقرأ ودأبَ وكدَّ ليصل لإجابة شافية تروي صدور المؤمنين من نَفْح ما تنزَّل به الروح من عظيم كلام الله -سبحانه وتعالى- واستلهامًا واستنباطًا من روح السُّنة النبويَّة السمحة من نبي كريم سامي الخُلُق رحمة للعالمين.
وفي هذا السياق يجيء كتاب الدكتور محمد بشاري، الموسوم بـ: (حق الكد والسعاية: مقاربات تأصيلية لحقوق المرأة المسلمة)، لينضمَّ لكوكبة من المؤلَّفات التي يقدمها الكاتب، والمعنيَّة بشأن المجتمعات المسلمة والوجود الإسلامي بشكل عام، وغيرها من الفروع النظرية؛ وبتقديم وجهات نظر شرعية تنطلق من فهمٍ وإدراكٍ لمقاصد الشريعة الإسلامية، وتُحاكي سياقات التنزيل المعاصرة لمختلف النوازل الفقهية التي يعرفها المسلمون اليوم.
وفي صدد النظر في العلم الشرعي نجد أنَّ للفقه واجتهاده ما لا يمكن تجاوزُه من مراحل مفصلية كان لمداخلاتها الأثر البالغ على سلوك المسلمين في مجتمعاتهم، وتوجيهها نحو الأَقْوَم والأصْوَب، وهذا ما لم يتوقف إلى يومنا هذا تناغمًا مع ما تسمح به أصول الشريعة الإسلامية من آليات استنباط، ومدًى واسعٍ يعبِّر عن روحها، لا سيما أنَّ المنتَج الفقهي هو رسالة شرعية لا تتوقف على نقل النص الشرعي وحسب؛ بل تعمل على فهم أبعاده، ومدلوله، وحيثياته التي لا تقبل إلا مَن امتلك وتسلَّح بالعلم الرصين، والإحاطة المعرفية، والفهم المتزن؛ فهي تبحث في رسالة الخالق لعباده، وهَدي سيدنا محمد ﷺ الكريم، وفيها لا حَيفَ ولا ظلمَ للإنسان، ولا تجاوُز لكرامته، أو حقه، أو أساسات سعادته الدنيوية والأخروية.
إنَّ الناظر فيما ورثْنا من «درر الفقه» المبنية على سواعد الأخيار الساعين للامتثال لأوامر الله -سبحانه وتعالى- يجد أنه قد آن الأوان لإنصاف ذلك التراث الفقهي، والتعامل معه كما يجب أن يكون، وإيلاء ما فيه من مكنون ما يعوزه من تصحيح، أو استناد وإنصاف، أو إعادة القراءة بعين مختلفة، وعقل متشبع بصنوف الفهم، ورؤية ثاقبة من بصيرة متفتحة على حديث العلوم وقديمِها.
لقد أثبتت العلوم الشرعية، في كل ما تخطو إليه، ما يمتاز به شرع المسلمين -بنعمة من الله سبحانه وتعالى- من صلاحية ممتدة على كل زمان ومكان، ومن هنا برزت إحدى أهم ميزات الحكم الفقهي، مُعينةً جميع المسلمين على تصريف شئون حياتهم، وتحقيق مصالحهم، وسد باب الذرائع عنهم، وفي هذا الصدد يأتي المؤلَّف الذي بين أيدينا مقلبًا بعناية ما ورد في موضوع «الكد والسعاية» واعتباره حقًّا معترفًا به، في ظرفية مهمة اختلطت بها سواعد الإنسان -بغَضِّ النظر عن جنسه- في بناء وإعمار هذا الكون، وحازت المرأة مكانات مرموقة، وبذلت -حيثما وُضعت- مخلصَ الجهد وقويمَه، حاملةً ما يقع عليها من مسئوليات وواجبات بكفاءة وإتقان، وفي آنيَّة موازية باتت تضج بصور الظلم والتجاوز بحقها في الكثير من المجتمعات من حيث انتزاع ممتلكاتها، وتجريدها مما كانت ضلعًا وعمادًا في إيجاده أو بنائه، وذلك بالرغم من وجود ما يضمنه لها كحق أصيل، سواء حقها في حضانة أطفالها وتربيتهم، أو حصولها على المقرر لها من ميراث في الشرع، أو ما اكتسبت من ممتلكات بجهدها وسعيها.