تمثال الملك ”خفرع” يكشف عظمة فن النحت فى مصر القديمة
نستكمل قصة "حياة المصريين" ونكمل قراءة "قصة الحضارة" لـ ول ديورانت"، التى تكشف الكثيرعن الحضارة المصرية القديمة ودورها الكبير بين حضارات العالم القديم.
يقول ول ديورانت فى "قصة الحضارة":
لسنا نعلم حقيقة الأحوال التى جعلت الأسرة الرابعة أهم الأسر الحاكمة فى تاريخ مصر قبل الأسرة الثامنة عشرة، فقد تكون الثروة المعدنية العظيمة التى استخرجت من أرض مصر فى عهد آخر ملك من ملوك الأسرة الثالثة، وقد تكون ما أحرزه التجار المصريون من تفوق فى تجارة البحر الأبيض المتوسط، وقد تكون قسوة خوفو أول ملوك هذا البيت الجديد وقد ترك لنا هيرودوت ما قاله له الكهنة المصريون عن منشئ أول هرم من أهرام الجيزة فقال:
"وهم يقولون لى الآن أن العدالة ظلت توزع بالقسطاس، وأن الرخاء عم جميع أنحاء مصر إلى أيام حكم رحميسنتس، ثم حكم من بعده كيوبس فارتكب كل أنواع الخبائث، ذلك أنه أغلق جميع الهياكل، وسخر المصريين لخدمته وحده، فعين طائفة منهم لقطع الأحجار من المحاجر فى جبال العرب ونقلها إلى النيل، وأمر طائفة أخرى باستقبال الحجارة بعد أن تنقل فى النهر على سفن، وكان يعمل منهم مائة ألف فى كل نوبة، وكل نوبة تعمل ثلاثة أشهر، وكل هؤلاء يكدحون عشر سنين فى إنشاء الطريق الذى كانت تنقل عليه الحجارة، وهو عمل أرى أنه لا يقل مشقة عن تشييد الهرم نفسه.
أما خفرع خليفته على العرش ومنافسه فى البناء فلدينا عنه معلومات مستقاة من الآثار نفسها، وذلك أن تمثاله المصنوع من حجر الديوريت والمحفوظ فى متحف القاهرة يصوره لنا بالصورة التى يمثل بها خيالنا من أنشأ هذا الهرم الثانى وحكم مصر ستاً وخمسين سنة إن لم يكن بالصورة التى كان عليها فعلاً، فعلى رأسه رمز السلطة الملكية، ولو لم يكن هذا على رأسه لأدركنا من هيبته ومن كل جزء صغير من جسمه أنه ملك بحق فالتمثال يصوره إنساناً مزدهياً، صريحاً، جريئاً، ثاقب النظرات، أشم الأنف، قوياً فى تحفظ وهدوء، ويتضح من صورته هذه أن الطبيعة قد عرفت من زمن طويل كيف تصوغ الرجال، وأن الفن قد عرف كيف يصورهم.