اليوم العالمى للترجمة.. كيف عرف المصريون الترجمة وهل الحملة الفرنسية السبب؟
يحتفل المجتمع الثقافى والعلمى فى 30 سبتمبر من كل عام، باليوم العالمى للترجمة بالتزامن مع عيد القديس جيروم، وهو مترجم الكتاب المقدس الذى يعتبر قديس المترجمين، ويرعى هذه المناسبة الاتحاد الدولى للمترجمين FIT والذى تم تأسيسه فى عام 1953. وفى العام 1991، أطلق الاتحاد فكرة الاحتفاء باليوم العالمى للترجمة كيوم معترف به رسميا.
تعتبر الاحتفالية فرصة لعرض مزايا هذه المهنة التى تزداد أهمية يوما عن الآخر فى عصر العولمة. بالتزامن مع الاحتفال بعام 2019 تحت مسمى العام العالمى للغات السكان الأصليين، كان موضوع اليوم العالمى للترجمة لعام 2019 هو «الترجمة ولغات السكان الأصليين»، وفى عام 2020 هو «إيجاد الكلمات لعالم فى أزمة».
لكن متى عرفت الترجمة فى مصر، وكيف دخلت مهنة الترجمة بشكل رسمى إلى حياة المصريين، الإجابة حول كتاب "تاريخ الترجمة فى مصر فى عهد الحملة الفرنسية" تأليف جمال الدين الشيال، الإجابة عنها.
وبحسب الكتاب سالف الذكر، واجه "نابليون بونابرت" منذ أن جاء بحملته الشهيرة إلى مصر الكثير من الصعاب، وكانت اللغة من أبرزها، كان "نابليون" يسعى إلى تأسيس حكومة جديدة، ولم يكن على دراية بلغة الشعوب العربية وثقافتهم، فكان لزاما عليه أن يأتى بمن يستطيع ترجمةَ أوامره ومنشوراته إلى اللغة العربية حتى يتيسر له التواصل مع طوائف الشعب المصرى كافة، فأدى ذلك إلى رواج حركة الترجمة فى مصر.
ولكننا قد نتساءل بعد هذا: ألم يكن للحملة — على الرغم مما كان يكتنفها فى الداخل والخارج من اضطرابات وقلاقل — أثر فى الترجمة عن العربية إلى الفرنسية أو عن الفرنسية إلى العربية فى هذه السنوات الثلاث التى قضتها فى مصر؟
والحقيقة أننا نستطيع أن نجيب على هذا السؤال بأنه كان فى مصر إبان وجود الحملة بها نوعان من الترجمة: ترجمة رسمية، وترجمة علمية.
فالحملة من الناحية الرسمية كان لها أثر فى هذا النقل، وكانت فى أشد الحاجة إلى مترجمين دائمين ينقلون عنها الأوامر، ويترجمون المنشورات، ويسجلون محاضر الدواوين، ويكونون الوسطاء فى نقل الحديث بين الحكام والمحكومين. وقد استعانت أول الأمر بأناس غرباء عن مصر أحضرتهم معها أول قدومها، وهم جماعة من أسرى البحارة المسلمين الذين كانوا تحت أيدى فرسان القديس يوحنا بجزيرة مالطة، وقد اشتركوا مع المستشرقين من علماء الحملة فى ترجمة المنشور الذى أعده نابليون بالفرنسية، والذى طُبع على ظهر البارجة "الشرق L’Orient" — إحدى سفن الأسطول — فى المطبعة العربية ليكون معدًّا للتوزيع على المصريين وقت نزول الفرنسيين إلى بر مصر. يقول الجبرتى عن هؤلاء الأسرى: "كانت الفرنسيس حين حلولهم بالإسكندرية كتبوا مرسومًا، وطبعوه، وأرسلوا منه نسخًا إلى البلاد التى يقدمون عليها تطمينًا لها، ووصل هذا المكتوب مع جملة من الأسارى الذين وجدوهم بمالطة، وحضروا صحبتهم، وحضر منهم جملةٌ إلى بولاق، وذلك قبل وصول الفرنسيس بيوم أو بيومين، ومعهم منه عدة نسخ، ومنهم مغاربة، وفيهم جواسيس، وهم على شكلهم من كفار مالطة، ويعرفون باللغات".
والجبرتى يتحدث عن بعض أعمال هذَين المترجمَين فى شذرات متفرقة نستطيع أن نتبين منها أن "الترجمان" كان الناقل لأوامر الفرنسيين، والقارئ لأوامرهم وفرماناتهم فى الديوان، وأنه كان يضمِّن كلامه العربى كلمات فرنسية مما يدل على أن هذَين المترجمَين كانا من علماء الحملة الفرنسيين العارفين باللغة العربية. يقول الجبرتى عند كلامه عن الجلسة الأولى للديوان: "فلما استقر بهم الجلوس شرع ملطى القبطى الذى عملوه قاضى فى قراءة فرمان الشروط، وفى المناقشة، فابتدر كبير المديرين فى إخراج طومار آخر، وناوله الترجمان فنشره وقرأه" ثم يقول عند الكلام على انتخاب رئيس الديوان: "ثم قال الترجمان: نريد منكم يا مشايخ أن تختاروا شخصًا منكم يكون كبيرًا ورئيسًا عليكم … فقال بعض الحاضرين: "الشيخ الشرقاوي" فقال: نو، نو، وإنما ذلك يكون بالقرعة … إلخ"