الدكتورة مجد إبراهيم أبوعيش تكتب.. من أراد الخلود فليأتي إلى مصر
بدأ أمس أكبر معرض فني دولي للفن المعاصر عند سفح الأهرامات بعنوان "الأبد هو الآن- Forever Is Now" والذي يشارك فيه مجموعة من أشهر الفنانين المعاصرين على مستوى العالم بأعمالهم الفنية ومجسماتهم التي تعكس رؤيتهم للحضارة المصرية القديمة وعلاقة الإنسان بالكون.
ومن أبرز الأعمال التي استوقفتني هي مجسم النحات الإيطالي الأمريكي "لورنزو كوين" وهو ابن الفنان العالمي أنطوني كوين، والذي ذكر في حوار له أن من أهم أسباب دخوله عالم النحت هو طول أجل العمل الذى ينحته فلطالما فتنته فكرة التواصل مع الأجيال القادمة من خلال الفن الذى يتركه، فالفن يمتلك القدرة على خداع الموت وجعل الفنان خالدًا لا يموت.
ويضيف لورنزو أنه عندما علم بإمكانية عرض إحدى منحوتاته أمام الأهرامات أروع إبداعات البشرية الخالدة كان ذلك بالنسبة له بمثابة حلم يتحقق، ولكنه أدرك في نفس الوقت أنها مهمة شاقة لأنه لا يوجد على وجه الأرض اليوم ما يمكنه مضاهاة جمال وكمال الأهرامات المصرية القديمة الرائعة.
والعمل الذى يشارك به لورنزو في المعرض يأتي تحت عنوان "معًا" وهو عبارة عن مجسم -بدون قاعدة ارتفاعه ستة أمتار- لالتقاء كفين مصنوع من قضبان الفولاذ المقاوم للصدأ، وهو يجسد تلك الرحلة العاطفية الإنسانية الأزلية في المكان الذى أصبح فيه الزمن نسبيًا على الأرض كشهادة على أهمية عيش اللحظة، ويكمن جمال المجسم في أنه راع جغرافية المكان لكي لا يتطفل على ساحة الأهرامات إنما يدعم جمالها المهيب الخالد.
أيضًا من أبرز المشاركين في المعرض هو الرسام والنحات البرازيلى "جواو تريفيسان" الذي يقدم عمل بعنوان "الجسد الذى ينهض" وهو عبارة عن مجسم يبلغ ارتفاعه سبعه أمتار مؤلف من أربع وسبعين عارضة خشبية مثبته لتشكل شبكة مربعة مرتفعة.
ويقول الفنان إنه يقدم هذا التصميم لهضبة الجيزة لأن يود أن يتخيل المشاهدون أن المجسم يعكس إطار مسلة كبيرة تشير إلى السماء، وتمثل المواد الخشبية المستخدمة في العمل الفني البصمة الخاصة بأعمال تريفيسان وهي فلنكات السكك الحديدية الخشبية.
وهو في هذا العمل يربط ماضي مصر القريب وهي السكك الحديدية التي تم إنشاؤها في القرن التاسع عشر، وبين ماضيها السحيق حيث تشير الأعمدة الرأسية في شكلها التجريدي إلى المسلات في مصر القديمة والتي تتجه رؤوسها إلى السماء.
أما عن الفنانين المصريين فقد شاركت الفنانة الاقصرية "شيرين جرجس" بعمل مميز عنوانه" ها أنا قد عدت" وهو عبارة عن نصب تذكاري ضخم مصمم استنادًا لجغرافية المكان لتكريم التاريخ الطويل للمرأة المصرية التي ساندت ودعمت المجتمع والثقافة المصرية على مر الزمان.
واستلهمت الفنانة شكل المنحوتة التي حفرت عليها أشكال فرعونية من آلة "الصلاصل أو السيستروم" وهي آلة موسيقية قديمة مقدسة كانت تستخدمها كاهنات إيزيس أثناء طقوس الشفاء والتطهير، وتدعو شيرين زوار المعرض لتفعيل الصنج الموجودة على المنحوتة لخلق إحساس بالنداء والاستجابة من الحاضر إلى الماضي والعكس، ولإطلاق صدى عبر الزمن وإحياء ذكرى هذا التاريخ العريق.
كما يتم أيضًا غمر التمثال بزيت الياسمين المستخرج من المزارع المصرية المحلية وذلك للاحتفال بعمل النساء اللاتي يحصدن الأزهار الرقيقة فيكون الصوت والرحيق بمثابة صدى أثيري للطقوس الدينية التي تمت هنا منذ عدة قرون.
معرض "الأبد هو الآن" -المقام برعاية وزارات الخارجية والآثار والسياحة المصرية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" خلال الفترة من٢١ أكتوبر وحتى ٧ نوفمبر 2021، والذي يشارك فيه عشر فنانين من مصر، وروسيا، والبرازيل، وفرنسا، وإيطاليا، وبريطانيا، والسعودية استطاع جميعهم أن يدمجوا التراث القديم بالفن المعاصر وسط الرمال وتحت سفح الأهرامات إحدى عجائب الدنيا السبعة- جاء ليؤكد لنا من جديد كم أنتِ عظيمة يا مصر دائمًا بتراثك وآثارك وفنك وشعبك الأصيل الذي يحتضن كل شعوب وفنون العالم.