الكاتب الصحفي محمود نفادي يكتب.. مسيحيون فى لجان تقنين الشريعة الإسلامية
قد لا يعرف الكثيرون من أبناء الجيل الحالى، وخاصة الشباب، معلومات كافية عن لجان تقنين الشريعة الإسلامية التى شكلها مجلس الشعب فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات فى ٤ نوفمبر ١٩٧٨، عندما كان الدكتور صوفى أبوطالب رئيسا لمجلس الشعب، ورئيسا للجنة البرلمانية الخاصة التى تولت مهمة تقنين الشريعة الإسلامية.
وقرر شكل مجلس الشعب سبع لجان لإنجاز مشروع تقنين الشريعة الإسلامية، وهو الأمل الذي تطلعت إليه جموع الشعب المصري، كما أكدت نصوص محاضر جلسات مجلس الشعب.
وتقنين الشريعة الإسلامية يعني تنقية القوانين مما يخالف الأحكام القطعية للشريعة ومقاصدها الرئيسية، وإضافة ما يلزم من قوانين جديدة في ضوء ذلك.
وكان نص المادة الثانية فى دستور ١٩٧٢ ينص على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، حتى تم تعديل دستورى فى ٢٢ مايو ١٩٨٠، ينص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع لإفساح المجال أمام عمل اللجان البرلمانية لتقنين الشريعة الإسلامية.
وقد لا يعرف الكثيرون، أيضا، بمن فى ذلك نواب البرلمان الحالى والسياسيين والحزبيين، أن لجان تقنين الشريعة الإسلامية ضمت خمسة مسيحيين من أعضاء مجلس الشعب وقتها، للإسهام والمشاركة فى عمل اللجان، وهم عدلى عبد الشهيد الذى أصبح وزيرا للهجرة بعد ذلك، ونشأت كامل برسوم، وحنا ناروز، ووديع داود فريد، وجورج روفائيل رزق حيث كانت لهم مقترحات جيدة وتم الأخذ بها.
ووجود المسيحيين الخمسة فى عضوية اللجان البرلمانية لتقنين الشريعة الإسلامية كان يحمل الكثير من المعانى والدلالات الوطنية والدينية والقانونية، وتأكيدا على أن مصر بلد التسامح والمحبة، وأن الشريعة الإسلامية معاملات أكثر منها حدودا وعقوبات، وأن شركاء الوطن الواحد هم شركاء فى وضع وصياغة قوانين الشريعة الإسلامية التى تطبق على جميع المصريين دون تفرقة بسبب الدين.
ولعل من الكلمات الخالدة التى سجلتها مضابط مجلس الشعب للدكتور صوفى أبوطالب ما قاله على رؤوس الأشهاد عندما حاول بعض المتأسلمين المزايدة على عمل اللجان:" إن كلام الله سبحانه وتعالى لا يقنن وما عدا ذلك يقبل التقنين الذى يهتدي به القاضي الذى لم يعد مجتهدا كما كان فى الماضى".
أما عن أن الشريعة الإسلامية تصلح لكل زمان ومكان، فقد فسرها أبو طالب بأنها لكل زمان لأن فيها من المرونة والنصوص ما يمكن من استنباط احكام جديدة تلائم وتواكب متطلبات العصر، ولكل مكان لأنها لا تفرق بين مجتمع وآخر.
ووجه الدكتور صوفى أبو طالب نقدا لاذعا وشديدا للسلفين: حينما قال:" إن هناك تيارا دينيا يتمسك بالتراث الإسلامى بصورته القديمة، كما كان فى القرن الأول الهجرى، واصحاب هذا التيار هم من السلفية الذين يرفضون أى تغيير، وهذا ضد الشريعة الإسلامية لأنها بطبيعتها متطورة". كما وصف من ينقل نقلا أعمى عن الغرب بـ"المتفرنجين".
وانتهت لجان تقنين الشريعة الإسلامية من عملها وقدمت مشروعات قوانين للدكتور صوفى ابو طالب لاحالتها للجنة التشريعية بمجلس الشعب، وتمت احالتها بقرار من المجلس فى شهر يوليو ١٩٨٢، بعد تولى الرئيس الراحل محمد حسني مبارك الحكم وظلت هذه القوانين أمانة لدى اللجنة التشريعية حتى وقتنا هذا.
ورغم إنجاز لجان مجلس الشعب لما يقارب 95% من عملها بعد حوالي أربع سنين، إلا أن المشروع تجمد، ثم طوته أدراج نظام الرئيس مبارك.
وتجربة تشكيل لجان تقنين الشريعة الإسلامية يجب ان يدرسها مجلس النواب الحالى، وخاصة ان رئيس المجلس الدكتور المستشار حنفى الجبالى، الرئيس السابق للمحكمة الدستورية، حيث يمكن للمجلس ان يشكل لجانا لتجديد الخطاب الديني استجابة لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ توليه الحكم وحتى الآن. بل يمكن ان يكون هذا الموضوع مجالا لعمل مشترك بين مجلسي النواب والشيوخ، حتى يسجل التاريخ لهما ان المجلسين ساهما فى تجديد الخطاب الدينى وتحقيق رغبة الرئيس السيسى الذى بح صوته للمطالبة بذلك فهل يفعلها المجلسان؟.. إنا لمنتظرون .