فتحى ندا الخبير الاقتصادى والمحلل المالي يكتب.. صراع بسواعد الجد والهزل
صراع مزدوج نفسي ومجتمعي، نفسي يعصف بالذهن، ومجتمعي يدمر العلاقات الإنسانية بين الأشقاء والزملاء والمعارف والجيران والأصحاب والأهل والأقارب وأحيانا الأصدقاء.
صراع يجول في أرجاء النفس البشرية يحاول كشف الستار عن ماهية الشخصية التي يجب أن يكون عليها المرء.... تلك الشخصية الحائرة بين الخروج على الناس برداء الجد والوقار لاكتساب الاحترام والتقدير والإعجاب أو الظهور كمصدر للدعابة والمرح الدائم لكسب محبة وإعجاب الناس أيضا.
وصراع يجول بين جنبات المجتمع ونفسيات شخوصه بتساؤل عن هؤلاء الشخوص الذين يجتهدون في إفساد الجد وتسفيه الجادين والإقلال منهم وتمييع المواقف والمقولات الجادة وخلط الهزل بالجد لأغراض هي لا ترقى حتى الى مستوى الطفولة المتأخرة أوقد تنطوي على ما نَستعيذُ بالله من خُبثهِ، وغالبا ما يكون هذا ديدنهم في مناسبات عامة أو ملتقى يجمع بين خليط من الأعمار ومستويات ثقافية متفاوتة ومن يعرفك ومن لا يعرفك، فأما الذى يعرفك فلا بأس إذا من ذوى الأصول والأخلاق وأما من لا يعرفك فسيكون انطباعه الأول والذى قد يدوم لفترة تطول أو تقصر عنك أنك هكذا لا قيمة لك عند ذويك أو مجتمعك، ويكون التساؤل هل هؤلاء المستهزئين في ثياب الدعابة والمرح يقصدون ظاهر الموقف مرحاً أم باطنه الخبيث تقليلا من الجادين الوقورين المحترمين في موقف الجد، ومن ثم قد ينشب الخلاف وتدب روح الضغينة في النفوس وتسود الفرقة بين الجماعة والعياذ بالله.
ففي الكثير من الأحيان يتساءل الشخص الجاد عما إذا كان يُنظَرُ إليه حقا على أنه شخص جاد بالفعل ووقور في أفعاله وحكيم في قراراته أم يُنظَرُ إليه على أنه شخص مُتَكَلِف يتصنع الوقار والحلم.
وكما هو الحال بالنسبة للشخص المرح صاحب النكات الطريفة وصانع البهجة التي تُساعد على إضفاء نوع من المرح والفرح والسرور أينما حل فهو يتساءل عما إذا كان يُنظَرُ إليه حقا على أنه مُجرد شخص طريف مرح بطبعه هدفه إضفاء طابع السرور اينما وجد أم يتم الحكم عليه كلية بأنه شخص ساذج هزلي تافه لا يعرف للجد والوقار سبيل.
ومن ثم تشتعل نيران الغضب والحيرة بداخله فهو لا يجد طريقة لإرضاء عامة الناس وجعلهم يرونه بالصورة والشكل الصحيح من دون إطلاق الحُكم الكلي الأعمى عليه فإذا رأوه جادا في موقف ما يتطلب الجدية حتما فتراهم يحكمون عليه بالتزمت والتشدد وربما بالتكلُف والتصنُع وإذا رأوه في موقف لا يجدر به إلا أن يكون سعيدا فيه وينعم بالابتسامة والسرور وتنطلق احيانا منه روح الدعابة فيأتي حكمهم عليه بالافتقار الي الجدية وبالسذاجة والهزل والتفاهة أحيانا.
وهل لوقف الضجيج من حوله يجب عليه عدم الاكتراث كثيرا بآراء الناس وحكمهم الظاهري عليه طالما أنه شخصية جادة يعرف أنه لا يتكلف ذلك وأن به جانبا من المرح والسرور والدعابة يظهره فقط في وقته وفي الظروف المباحة لذلك، ويعرف أنه كشخصية مرحة تُضحِك الناس وتُخرِجهم احيانا من همومهم وتُسرى عنهم بأن به طابع الجد والحلم والوقار الذي يبرز في وقته وفي ظروفه التي يجب أن تكون عليها بهذا الطابع لا بغيره.
أحاديث شريف: (روى أبو إدريس الخولاني عن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياك وكثرة الضحك، فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. و(رُوي عن ابن عباس في قوله تعالى: مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف: 49]. إن الصغيرة الضحك).
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من كثر ضحكه قلت هيبته.
ويقول الإمام الشافعي رحمه الله (الوقارُ في النُزهةِ سَخَفٌ) ومن ذلك تجد من يري أن هناك تضاد بين حديث رسولنا الكريم وقول الامام الشافعي، وهذا غير صحيح فهذا ليس تضاد أو تناقض ابدا؛ فنحن فقط مطالبون بتحقيق الاتزان وضبط النفس الجادة في أوقات المرح وضبط النفس المرحة (التي يغلب عليها طابع الدعابة) في أوقات الجد, فلا يجب علينا أبدا الظهور بمظهر الهزل و اخراج روح الدعابة في أوقات تتطلب الجدية أو الظهور بمظهر الجد والوقار في وقت تري فيه كل من حولك يضحك أو يبتسم و لا يتحدث في أمر جاد يتطلب الحلم والرزانة وإظهار الجدية في القول والفعل.
فاسمح لجانب الجد والحلم وجانب المرح وروح الدعابة أن يٌشكلا دورا في حياتك ولكن احذر من طغيان إحدى الجانبين على الأخر فكن وقورا مرحا. جادا تملك روح الدعابة والمرح ...حكيما منضبطا ومبتسما تصنع البهجة والسرور واجعل نفسك البشرية تول وجهها شطر الاتزان والاعتدال دوما.
وأنت أيها الساعي بين الناس بالإقلال والتسفيه والسخرية: مع دعائنا لك بالهداية فعليك بمجاهدة النفس للتخلي عن هذا الأمر حسب استطاعتك، وما كان منه خارجا عن إرادتك، فأنت مغلوب ولا إثم عليك إن شاء الله تعالى. قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]، وقال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286]، ولا تنسى قول الله تعالى:
في القرآن الكريم " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ " [الحجرات: 11].
كاتب المقال فتحى ندا الخبير الاقتصادى والمحلل المالى
مقالات قد تهمك:-
فتحى ندا الخبير الاقتصادى و المحلل المالي يكتب.. كراتين اوائل الطلبة .. حزبية برعاية وزارية اضغط هنا
فتحى ندا الخبير الاقتصادى والمحلل المالى يكتب.. نجح الحزب .. في إسالة لعاب التعليم اضغط هنا
فتحى ندا الخبير الاقتصادى والمحلل المالى يكتب.. نَذِيِرُ إِنهيار .. منظومة بناء الإنسان اضغط هنا
فتحى ندا الخبير الاقتصادى والمحلل المالى يكتب .. الوريث الرقمى اضغط هنا