الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد يكتب .. فبراير .. إغتيالات وأحداث ( ١ )
حكاية أول عملية إغتيال فى تاريخ مصر المعاصر" الحلقة الاولى"
" قولو لعين الشمس ما تحماشى لاحسن غزال البر صابح ماشى " .. بهذه الكلمات التى حجزت لنفسها مكانا مرموقا بين مؤلفات التراث الشعبى ودع جماهير الوطن بطل قومى من خيرة الشباب .. رفض الإحتلال الإنجليزي الغاشم ورفض خيانة أعوان الإحتلال ودفع حياته ثمنا لمواجهة الإستبداد والفساد والهيمنة على العرض قبل الأرض ليضع بصمة مضيئة فى تاريخ مصر وليرسى قواعد المقاومة والفداء والتضحية بكل غال فى سبيل حرية الوطن وإستقلاله.
البطل هو شاب مصرى أصيل يبلغ من العمر ٢٤ عاما إسمه إبراهيم ناصيف الوردانى ينتمى لعائلة من الأعيان ميسورة الحال توفى والده وهو فى سن مبكرة وتولى تربيته أحد أقاربه وهو الدكتور ظيفل باشا حسن .. وقد عانى الشاب وهو فى مقتبل العمر حين كان فى مرحلة " البكالوريا " المعروفة حاليا بإسم الثانوية العامة من بطش الإحتلال السافر مثل باقى أفراد جيله وإمتلأ قلبه بشحنة غضب من هؤلاء الطغاة ومن كل أعوانهم ممن يساعدوهم على فرض نفوذهم على البلاد والعباد والذين سهلوا لهم عملية الإستيلاء على مقدرات الوطن.
سجل الوردانى إسمه بأحرف من ذهب فى دفتر أحوال الوطن بعد قيامه بتنفيذ أول عملية إغتيال فى تاريخ مصر الحديث ضد أحد رموز العمالة للإنجليز وهو بطرس باشا غالى رئيس وزراء مصر عام ١٩١٠.. تلك هى الحكاية بإختصار أما التفاصيل التى تحملها السطور القادمة فهى مثيرة للغاية .
البداية
___
ولد إبراهيم ناصيف الوردانى عام ١٨٨٦ ومنذ صغره كان يتمتع بذكاء شديد وكان عصبى المزاج وحماسى إلى درجة كبيرة وكان دائما ما ينشغل بقضايا وطنه و فى الوقت نفسه كان متفوق دراسيا بشكل ملفت للأنظار... فى عام ١٩٠٤ تأثر الوردانى وهو فى المدرسة الثانوية بأفكار بعض مدرسيه والذين كانوا يعتنقون فكر الزعيم مصطفى باشا كامل وأصبح الوردانى من أشد المتأثرين بالزعيم الكبير وحرص على قراءة مقالاته وأصبح منذ ذلك الوقت مهموم بقضايا الوطن وحرص على المتابعة الجيدة للحركة الوطنية .
حصل الوردانى عام ١٩٠٦ على شهادة البكالوريا بتفوق فقرر الدكتور ظيفل باشا حسن أن يرسله للخارج لإستكمال تعليمه ومن ثم للحصول على الشهادة العليا فى المواد العلمية.
هجر إبراهيم ناصيف الوردانى الأهل والداروالوطن وسافر عام ١٩٠٦ إلى سويسرا و فى نهاية هذا العام تقابل مع المناضل الكبير الزعيم محمد فريد فى مدينة جنيف السويسرية حيث كان الزعيم أمين جمعية الطلبة المصريين بجنيف وهى الجمعية التى تأسست خصيصا لتقديم يد المساعدة للطلبة المصريين بجنيف وقد ناقش فريد جميع الطلاب من خلال لقاءات متعددة عن الوضع فى مصر تلك الدولة العظيمة التى يذوق أهلها الأمرين على يد الإحتلال الغاشم وتحدث عن دور بعض عملاء الإحتلال من أمثال بطرس باشا نيروز غالى الذى وقع على اتفاقية الحكم الثنائى على السودان عام ١٨٩٩ نيابة عن الحكومة المصرية بإعتباره وزير خارجيتها واللورد كرومر المندوب السامى البريطانى عن بريطانيا والتى بموجبها أصبح للحكومة الإنجليزية حق الإشتراك فى إدارة شئون الحكم فى السودان ورفع العلم الإنجليزى إلى جانب العلم المصرى فى جميع الأرجاء وتعيين حاكم عام فى السودان بناء على طلب الحكومة البريطانية.
زاد حنق الطلبة وبخاصة الوردانى على بطرس غالى حين علموا أن الباشا " غالى " الذى تولى شئون وزارة الحقانية فى تلك الفترة منتصف عام ١٩٠٦ كان رئيسا للمحكمة التى أصدرت أحكاما ظالمة ضد أبناء قرية دنشواى إحدى قرى محافظة المنوفية والتى شهدت جريمة بشعة إرتكبها أباطرة الإحتلال ضد الأهالى وكانت الأحكام المتعسفة تتضمن إعدام ٤ أشخاص من كبار القرية وتم الإعدام شنقا أما جميع الأهالى فى واقعة لا إنسانية تكشف مدى جبروت المستعمر الإنجليزى السافر فضلا عن جلد نحو خمسون شخص آخر وحبسهم بالأشغال الشاقة المؤبدة.
تأثر الفتى الثائر بكلام الزعيم محمد فريد وتمنى أن يعود للوطن ليبدأ عمليات المقاومة ضد الإحتلال وأعوانه وبدأت فكرة إغتيال بعض رموز العملة والخيانة تراوده حيث كان يرى أن الخائن يستحق القتل قبل المغتصب حتى يكون عبرة لكل من تسول له نفسه التفريط فى حقوق وطنه أو يسهل للأعداء عملية الإستيلاء على مقدرات هذا الوطن .
*العودة للوطن
أنهى الوردانى دراسته فى سويسرا عام ١٩٠٨ _ وهو نفس العام الذى تولى فيه بطرس باشا غالى رئاسة وزراء مصر _ وأضطر للسفر إلى إنجلترا فى نفس العام سعيا للحصول على شهادة الكيمياء وهو ما حدث بالفعل وحصل الوردانى على تلك الشهادة وعاد لمصر أوائل عام ١٩٠٩ وعمل صيدلانيا وفتح له قريبه د. ظيفل باشا حسن صيدلية فى شارع عابدين وكان للوردانى دور إجتماعى حيث كان حريصا على توفير الدواء لغير القادرين بالمجان .
غدا الحلقة الثانية