الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد يكتب .. حين إقتحمت الدبابات الإنجليزية ” قصر عابدين ” (أ)
أحداث سياسية هامة شهدتها مسيرة الوطن عبر كل العصور منها من تركت جراحا لم تندمل وأنينا أدمى القلوب ، وتستحق أن نتوقف عندها ونلقى عليها الضوء لنتعرف على تفاصيلها لنأخذ منها العبر.
منذ ٨٠ عاما بالتمام والكمال وتحديدا فى الرابع من فبراير عام ١٩٤٢ وأثناء الحرب العالمية الثانية تعرضت البلاد لعمل إجرامى من المحتل الإنجليزي الغاشم ، ذلك العمل الذى يؤكد أن النظام الملكى الذى يتغنى به البعض بين الحين ما هو إلا نظام عميل يقبع على عرشه ملك ضعيف جبان لا يعنيه سوى الجلوس على العرش ، يخشى غضب الطغاة ويسعى كحيوان أليف إلى إرضاء أباطرة الإستعمار.
فى هذا اليوم حاصرت الدبابات والعربات العسكرية الإنجليزية قصر عابدين وإقتحم جانب منها حرم القصر الملكى للقبض على الملك فاروق وإجباره على التنازل عن العرش لأنه يماطل فى تكليف مصطفى النحاس باشا زعيم حزب الوفد بتشكيل وزارة وفدية خالصة فى الوقت الذى كان يرغب الملك أن تكون الوزارة إئتلافية ، ولكن كيف يجرؤ هذا الولد " هذا ما كان يطلق عليه أباطرة الإحتلال فيما بينهم " على مخالفة أوامرهم ؟! ، فكان الإنذار البريطانى الذى أعقبه ذلك العمل السافر الذى يكشف مدى التقارب المريب بين النحاس والإنجليز.
أصل الحكاية
الشعب منغمس فى همومه يبحث عن لقمة العيش .. تلاحقه الأزمات من كل جانب .. ملك صغير غارقا فى ملذاته.. إستعمار غاشم يضع قبضة يديه على كل الثروات ويفرض سطوته على البلاد .. أزمة شعب لا يجد رغيف الخبز ثار وإقتحم المخابز بحثا عن الرغيف الذى إختفى فى ظروف غامضة .. مظاهرات من دروب شتى بقاهرة المعز تعرب عن سخطها من عدم توافر رغيف العيش.. الأهالى يخطفون الخبز من حاملي ويتنازعون عليه.. ذلك هو حال أهل مصر .. أما ما يحدث داخل القصر الملكى فلا يقل خطورة بل قد يزداد إشتعالا.
رجال الإستعمار الإنجليزي فى مصر تنتابهم حالة من الفزع بسبب الإنتصارات التى يحققها " روميل " قائد الجيش الألمانى فى ليبيا وسقوط " بنى غازى " فى يده وإقترابه من حدود مصر الغربية وقيام قواته بهجوم سريع على الصحراء الغربية داخل مصر وإستيلائها على الذخيرة والمعدات التابعة للقوات البريطانية وأصبح من الممكن أن تتقدم قوات دول المحور بقيادة ألمانيا أكثر من ذلك داخل الأراضى المصرية.
فى أوائل يناير ١٩٤٢ قام الشعب المصرى المقهور من المحتل البغيض بالمظاهرات المؤيدة لدول المحور بقيادة ألمانيا ليس حبا فى ألمانيا بقدر كراهية للإنجليز ونكاية فيهم .. ردد الشعب العظيم هتافات تعبر عن فرحة بالنصر الألمانى منها " تحيا روميل .. إلى الأمام يا روميل .. تقدم يا روميل ".
تلك المظاهرات كانت بمثابة الرصاصة التى إخترقت عقول وصدور أباطرة الإحتلال فى مقتل خاصة وأنهم كانوا يعلمون أن الملك فاروق رغم تظاهره بتأييدهم إلا أنه يتمنى دخول الألمان مصر فقد تسنح له الظروف بطرد الإنجليز ومن ثم الإنفراد بحكم مصر ودليل ذلك تمسكه ببعض رجال الحاشية المعروف عنهم بالعلاقة الوطيدة مع بعض الطليان والألمان والذين قد يكونوا جواسيس على بريطانيا فى مصر ولذلك بدأ الإحتلال يبدأ التفكير فى تقليم أظافر الملك وحاشيته لذلك صدرت أوامر إنجليزية لرئيس الوزراء فى ذلك الوقت وهو حسين سرى باشا وهو خال زوجة الملك فاروق والمعروف بولائه التام للإحتلال بقطع العلاقات مع حكومة " فيشى " التى كان لها وجود فى مصر والتى تمثل الجانب الفرنسى المؤيد لدول المحور بخلاف الجانب الفرنسى التابع لدول الحلفاء.
*صدام وإستقالة
بالفعل فى ٨ يناير ١٩٤٢ أصدر " صليب سامى " وزير الخارجية قرارا بإيعاذ من حسين سرى باشا رئيس الوزراء بقطع العلاقات مع فرنسا حدث ذلك دون علم الملك فاروق الذى كان فى ذلك الوقت فى رحلة من رحلات الطيش والنزوات بالبحر الأحمر، ولذلك قام أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى بتوجيه اللوم لرئيس الوزراء حسين سرى باشا وأقنعه بتعديل القرار من قطع العلاقات إلى وقف العلاقات.
وحين عاد جلالة الملك من رحلته الميمونة وعلم بالخبر غضب شديدا وأمر بإقالة وزير الخارجية صليب سامى وهو الأمر الذى أغضب رئيس الوزراء لأنه تم دون علمه ونسبت أزمة حادة بين القصر والحكومة حاول خلالها " اللورد كيللرن " المندوب السامى البريطانى وسفير الحليفة بريطانيا العظمى بالقاهرة والذى يشتهر أيضا بإسم " السير مايلز لامبسون " وهو الرجل الأعلى شأنا بين أباطرة الإحتلال فى مصر أن يوقف هذه بين القصر والحكومة غير أن حسين سرى باشا حسم الأمر بإتخاذه قرارا نهائيا بإستقالة الحكومة وذلك فى الثانى من فبراير سنة ١٩٤٢.
شروط الإحتلال
أمام تلك الإستقالة تشاور المندوب السامى البريطانى " لامبسون " مع قيادات الإحتلال وعلى رأسهم الجنرال " ستون " القائد العام " للقوات البريطانية فى مصر وقرروا توجيه إنذار للملك يتضمن عدة شروط يجب توافرها فى رئيس الحكومة الذى سيقع عليه الإختيار وهى كالتالي:-
) ١) أن تتولى السلطة حكومة تتعامل مع الإنجليز بشكل ودى وتطبق معاهدة ١٩٣٦ نصا وروحا.
)٢) أن تكون حكومة قوية قادرة على قيادة البلاد.
)٣) ضرورة إستدعاء " النحاس باشا " باعتباره زعيما لحزب الأغلبية " حزب الوفد " للقيام بتشكيل الوزارة الجديدة.
)٤) يتم ذلك قبل ظهر الغد ٣ فبراير ١٩٤٢.
)٥) يتحمل الملك شخصيا حدوث أى إضطرابات خلال هذه الفترة.
*عزل الملك
ووضع السير مايلز لامبسون خطة بديلة فى حالة مراوغة الملك فى تنفيذ مساء يوم الأثنين ٢ فبراير ١٩٤٢ ومحاصرة " قصر عابدين " وكيفية التعامل مع الحرس الملكى فى حال مقاومته ، وتضمنت تلك الترتيبات كالآتى:-
١ - إصدار أمر للملك فاروق الأول بالتنازل عن العرش
٢ – تتم الدعوة للأمير محمد على توفيق لكى يتولى العرش
٣ – إذا رفض الأمير تولى العرش " وهذا أمر شبه مستحيل " فإن الإنجليز سوف يحكمون مصر حكما عسكريا بمقتضى الأحكام العرفية حتى إستقرار الأمور.
وفى الواحدة ظهر ذلك اليوم قابل لامبسون الملك فاروق وعرض عليه الشروط ووافق فاروق على الفور ولكنه عقب اللقاء تشاور فاروق مع حاشيته وقرروا تشكيل حكومة إنتقالية مؤقتة يعقبها حكومة إئتلافية برئاسة النحاس باشا غير أن النحاس رفض هذا الأمر لأنه يرغب فى تشكيل حكومة وفدية خالصة وهو الأمر الذى تسبب فى صدام مع الملك فاروق غير أن الإحتلال بزعامة سير لامبسون قرر الموافقة على طلب النحاس مما أدى لتفاقم الأزمة وإستمرت المهاترات حتى صباح يوم الأربعاء ٤ فبراير ١٩٤٢ حين إتصل لامبسون برئيس الديوان الملكى أحمد حسنين باشا ووجه له وللملك وللقصر إنذارا جديدا قائلا بلهجة حادة :-
ما لم يتم إبلاغى قبل السادسة من مساء اليوم بأن الملك فاروق قد قام بإستدعاء النحاس وتكليفه بتشكيل الوزارة فإنه يتعين على جلالته أن يتحمل النتائج المترتبة على ذلك.
وللحديث بقية إن شاء الله
كاتب المقال الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد مدير تحرير موقع بوابة الدولة الاخبارية والمختص فى الشأن الاقتصادى والمالي
مقالات قد تهمك:-
الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد يكتب .. فبراير .. إغتيالات وأحداث ( ٢ )أضغط هنا
الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد يكتب .. فبراير .. إغتيالات وأحداث ( ١ ) أضغط هنا
الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد يكتب - وزير التعليم .. وسياسة ” لله يا محسنين ” !! أضغط هنا
الكاتب الصحفي عبد الناصر محمد.. يكتب.. ” عصير ” المدارس فيه سم قاتل !! أضغط هنا
الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد يكتب.. ثغرة ” الدفرسوار” فى حرب أكتوبر .. وهم إسرائيل وعظمة مصر ” 1 ”
الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد يكتب .. كمال أبو عيطة .. مناضل بدرجة وزير
الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد .. يكتب .. عبدالناصر .. إغتيالات وموت مفاجىء ( 1 ) أضغط هنا
الكاتب الصحفى .. عبد الناصر محمد .. يكتب .. عبدالناصر .. إغتيالات وموت مفاجىء ( 2 ) أضغط هنا
الكاتب الصحفي عبد الناصر محمد يكتب.. شركة الحديد والصلب .. أم تبكى على فراق أبنائها أضغط هنا
الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد .. يكتب .. ” ُخرم ” وزارة التعليم اضغط هنا
الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد .. يكتب .. حكاية حوار مع ” شهبندر ” التجار أضغط هنا