غداً 4 مارس ذكرى ميلاد .. بيرم التونسى .. هرم الزجل وموليير الشرق
غداً الجمعة4 مارس ذكرى ميلاد الشاعر ،بيرم التونسي.. هرم الزجل وموليير الشرق وأحد أشهر شعراء العامية المصرية، ومثالًا في الوطنية والكلمة الملتزمة بالنقد والإصلاح،"آهات" بيرم التونسي..خافت من غنائها أم كلثوم فحققت رقم قياسى لتصفيق الجمهور
هو من كتب قصيدة زاعت شهرة وجاءت كلماتها :-
وقال فيها: “يا بائع الفجل بالمليم واحدة/ كم للعيال وكم للمجلس البلدي/ كأن أمي في تربتها أوصت/ فقالت أخوك المجلس البلدي/ أخشى الزواج فإن يوم الزفاف أتى/ يبغي عروسي صديقي المجلس البلدي/ أو ربما وهب الرحمن لي ولدًا/ في بطنها يدعيه المجلس البلدي
كان بيرم التونسي (1893 ـ 1961) شاعرًا مصريًا من أصول تونسية، وأحد أشهر شعراء العامية المصرية، ومثالًا في الوطنية والكلمة الملتزمة بالنقد والإصلاح.
عجيب أمر بيرم التونسى، الذى مازال يشع بالحضور ويعبر عن أدق تفاصيل واقعنا العربى المعاصر، رغم أننا قبل أيام قد شهدنا مرور 60 عاما على رحيله !! ولكن كلماته وأعماله الفنية المبدعة مازالت تأبى الرحيل مع جسده.
بدأ حياته شاعرًا بالفصحى، ونجح في أن يكون مميزًا بنقده الاجتماعي والسياسي القاسي، في زمن كانت مصر فيه ترزح تحت سطوتين: سطوة الحكومة (الملكية الإقطاعية الفاسدة)، وسطوة الاحتلال البريطاني،ولكنه سرعان ما أدرك أن المجتمع المصري يرزح، أيضًا، تحت وطأة الأمية التي تهيمن على غالبية الشعب المصري، التي لن يصلها شعره، فقرر الاتجاه نحو كتابة الزجل، فيسّر له ذلك الانتشار بين الناس.
عانى آلام المنفى، وشظف العيش، وقسوة الأيام، ولم يرزح،الصدام مع عائلة الملك فؤاد بسبب قصيدة «البامية الملوكي.. والقرع السلطاني،ولكن الأزمات لم تنتهي، فكتب التونسى «الأولة آه، والثانية آه، والثالثة آه».
الأولة: مصر قالوا تونسى ونفوني.. جزاة الخير وإحساني
والثانية: تونس وفيها الأهل جحدوني.. وحتى الغير ما صافاني
والثالثة: باريس وفى باريس جهلوني.. وأنا موليير فى زماني.
بيرم التونسى هو ، المبدع الحقيقي ،وفنان عشق مصر وكتب عنها الكثير والكثير ، وهو الذي كتب أجمل أغاني أم كلثوم، وفريد الأطرش، وأسمهان، ومحمد الكحلاوي، وشادية، ونور الهدى، ومحمد فوزي ، كما قدم مونولوجات إسماعيل ياسين الشهيرة .
قال عنه طه حسين: “أخشى على الفصحى من بيرم”. وقال عنه أحمد شوقي: “بيرم التونسي عبقرية فوق مستوى التصوّر”.
بيرم وكوكب الشرق :-
ورغم تعامل بيرم التونسي مع العديد من عمالقة الغناء في الوطن العربي، الا أن مشواره مع أم كلثوم كان له تأثيره الخاص على مسيرتهما الفنية.
طلبت أم كلثوم من شيخ الملحنين الشيخ زكريا أحمد أن يعرفها على الزجال بيرم التونسي، وتقابلت معه عام 1940، واتفقت معه على مجموعة من الأغاني يلحنها زكريا أحمد،وبدأ بيرم في أول أعماله الغنائية مع أم كلثوم في أبريل عام 1941، بتأليف أغنية "أنا وأنت"، ثم تبعها بأغنية أخرى وهي أغنية "كل الأحبة"، وتوالت رحلة الأعمال الفنية لأم كلثوم مع كلام بيرم والتي زادت عن 30 أغنية، فغنت أم كلثوم أيضاً أغنية "إيه أسمى الحب"، وهي من ضمن الأغاني المفقودة للست، كما غنت من كلماته "الآهات" والتي ترددت أم كلثوم كثيراً في غنائها وعلى الرغم من ذلك حققت الأغنية نجاحاً كبيرا، وغنت ام كلثوم من كلمات التونسي "الاولة في الغرام " ولكن الاغنية كانت وليدة ظروف خاصة بين بيرم التونسي وصديق العمر زكريا أحمد، والتي كان يعاني منها شيخ الملحنين بعد وفاة ابنه، ظل بعدها فترة في منزله فترة يلتزم الصمت.
زارته أم كلثوم في منزله بعد 3 أيام من وفاة الأبن، وطلبت استقدام بيرم التونسي المتواجد في تلك الفترة بالإسكندرية، نظرا لعلمها بالعلاقة القوية التي تربط امير الزجل بشيخ الملحنين.
استجاب التونسي لدعوة أم كلثوم ، وذهب الى صديق العمر، وفاجأه بكلمات كانت بمثابة اسعاف لحالته من الحزن وكانت "الأولة في الغرام والحب شبكوني". انتبه زكريا أحمد من ذهوله.. وبكى بحرقة وهو يستمع لصديق العمر يقول :" حطيت على القلب ايدي وانا بودع وحيدي"، ليحتضن عوده وينطلق في دندنة لحن صادر من أعماق وجدان مبدع يعيش موقفا اليما، ولم تأخذ الاغنية مع زكريا احمد أكثر من ثلاثة أيام لتلحينها وبادرت ام كلثوم بتسجيلها عام 1944.
وتوالت الأغاني التي قدمها بيرم لأم كلثوم منها "أنا في انتظارك"، "حبيبي يسعد أوقاته"، "أهل الهوى"، " شمس الأصيل"، "الحب كده"، وغنت أم كلثوم اخر أغنية لبيرم التونسي بعد وفاته بـ 10 سنوات، وهي أغنية " القلب يعشق كل جميل" عام 1971.
كما غنت له بعض الأناشيد الوطنية مثل أغنية "صوت السلام"، والتي لحنها رياض السنباطي، وحصل عليها التونسي على الميدالية البرونزية من المجلس الأعلى للفنون والآداب.
وإبداعات " بيرم " تضم أيضا، «أحبابنا ياعين»، و«بساط الريح»، لفريد الأطرش، «شوف أنا فين وأنت فين»، و«المسحراتي» لمحمد فوزى، و«دور يا موتور» لليلى مراد، و«محلاها عيشة الفلاح» لمحمد عبدالوهاب، وعدد رهيب من الأغانى المتنوعة التى تدل على حجم عبقرية «شاعر الشعب» الكبير الباقى فى وجدان كل مصرى وعربى.
نبذة عن نشأتة:-
محمود محمد مصطفى بيرم الحريري، وشهرته بيرم التونسي. ولد في الإسكندرية في حيّ السيالة. درس في الكتّاب، وكانت عقدته الحساب، وصار عرضة للعقاب في الصف، وتعطّلت علاقته بالتعليم، فاضطرّ والده إلى إخراجه من الكتّاب، ودفعه إلى العمل في دكان الحرير الذي يملكه.
كتب بيرم في مذكراته أنه لم يخرج من الكتّاب إلا بمعرفة القراءة والكتابة، حاول والده معاودة تعليمه، فأرسله إلى مسجد المرسي أبو العباس، حيث المعهد الديني، وأقبل بيرم على نهل العلم، ولكنه لم يكمل دراسته في المعهد بسبب وفاة والده، وبعد سنين قليلة، توفيت والدته، وجعل كل ذلك منه طفلًا حزينًا ومراهقًا متقلّبًا، واضطر للعمل كصبي في محل بقال حتى طرد منه.
وفي نشأته، تعلق بالقصص الشعبية والأساطير، مثل ألف ليلة وليلة، وسيرة الهلالي، وسير عنترة، وجذبته فيها أبيات الشعر، فأقبل على شراء دواوين الشعر، وقرأ ابن الرومي، وتشرّب منه روح الهجاء،كما قرأ أزجال محمد توفيق، التي تركت أثرها عليه لجهة روح النقد اللاذع الساخر، وصدف أن سكن في منزلهم أستاذ تركي اسمه محمد طاهر، وقد لاحظ اهتمام بيرم بالشعر، فأهداه كتاب العروض، وكان تأثيره عليه هائلًا، إذ راح يحاول كتابة الزجل والشعر.
قرأ بيرم، أيضًا، كتاب الصوفي لمحي الدين ابن عربي، وحلّ ألغازه، وصار يبحث عن كتب الصوفية، للمقريزي، والغزالي، والميداني، ويتعمّق فيها، كما قرأ، أيضًا، الأدب الشعبي لعبدالله النديم، واستهوته أزجال الشيخ نجار، والشيخ القوصي.
زواج بيرم التونسى:-
تزوّج وهو في السابعة عشرة، وتوفيت زوجته بعد ست سنوات تاركةً له طفلين، فتزوج ثانية، كان بيرم يملك بيتًا صغيرًا، وفوجئ ذات يوم بالمجلس البلدي في الإسكندرية يلقي الحجز على بيته، ويطالبه بعوائد ورسوم لا يعرف عنها شيئًا،اغتاظ بيرم، وكتب قصيدة ضد المجلس البلدي، وجعله مسخرة أمام الناس، وقال فيها: “يا بائع الفجل بالمليم واحدة/ كم للعيال وكم للمجلس البلدي/ كأن أمي في تربتها أوصت/ فقالت أخوك المجلس البلدي/ أخشى الزواج فإن يوم الزفاف أتى/ يبغي عروسي صديقي المجلس البلدي/ أو ربما وهب الرحمن لي ولدًا/ في بطنها يدعيه المجلس البلدي/”،ذاعت القصيدة، واشتهرت، ونشرت في الصفحة الأولى من جريدة “الأهالي” التي طبعت 4 آلاف نسخة إضافية.، وطالب أعضاء المجلس البلدي ترجمتها إلى اللغات الأجنبية ليفهموها، وجلّهم من الأجانب، ويعلق بيرم: “لم أكتفِ بنشرها في الصحيفة، بل أصدرتها في كتيّب بقيمة خمسة مليمات للنسخة، فراج وطبعت منه مئة ألف نسخة، وهكذا وجّهني القدر إلى مهنة الأدب وسيلة للرزق، ثم دأبت على إصدار كتيّبات صغيرة فيها مختلف الانتقادات الاجتماعية”، وبتأثير من هذه القصيدة، اتجه إلى الأدب والشعر، وترك التجارة، مركّزًا على الزجل، ليقرب أفكاره من المصريين. وامتلأت أزجاله الأولى بالدعابة والنقد الهادف للإصلاح، معتمدًا في لقطاته الزجلية على السرد القصصي، مصوّرًا مشكلات الزواج والطلاق والعادات التقليدية الساذجة.
ثم انفتحت أمامه أبواب الفن، فبدأ مسيرته الحافلة، وكان قد أصدر مجلة المسلة في 1919، وبعد إغلاقها أصدر مجلة أخري، وصُودرت أيضا، ونفته السلطات لبلده تونس، بسبب مقالة هاجم فيها زوج الأميرة فوقية ابنة الملك فؤاد، ولقمع المستعمر الفرنسي التونسيين سافر لفرنسا، وعمل حمّالًا في ميناء مارسيليا لسنتين.
استطاع «التونسي» أن يزوّر جواز سفر ليعود لمصر، وألقى القبض عليه، وتم نفيه مجددًا لفرنسا، وهناك عمل في شركة للصناعات الكيماوية، وفصل منها لمرض أصابه، ليواجه ظروفًا معيشية قاسية إلا أنه استمر في كتابة أزجاله.
تم ترحيله في 1932من فرنسا لتونس بعد طردها الأجانب، وهناك أعاد نشر صحيفة «الشباب»، وأخذ يتنقل بين لبنان وسوريا، وقامت السلطات الفرنسية بإبعاده عن سوريا لإحدى الدول الأفريقية، وفى طريقه للمنفى توقفت الباخرة بميناء بورسعيد، نجح في أن يهبط ببورسعيد، وسارع للقاء أهله، ثم قدم التماسًا للقصر من خلال أحد النافذين فيه، وتم العفو عنه، وكان فاروق قد تربع على العرش، وعمل «بيرم» كاتبًا في «أخبار اليوم» ثم في جريدة «المصري» ثم في «الجمهورية».
ترك «بيرم» ميراثًا شعريًا حافلًا وغنيًا بين الأغنية العربية، ومنها الروائع، التي كتبها لأم كلثوم حين شكل ثنائيًا رائعًا مع زكريا أحمد إلى جانب الدواوين والأوبريت الإذاعي سيرة الظاهر «بيبرس» و«عزيزة ويونس»، وظل إلى آخر لحظة في حياته من حملة الأقلام الحرة الجريئة.
باكرًا، تعرف بيرم التونسي على سيد درويش، وانعقدت بينهما صداقة، وجمعتهما السهرات الفنية في الإسكندرية، وكتب له عدة أغان، وجمعتهما الأعمال المسرحية والأوبريتات والأعمال الغنائية التي قام درويش بتلحينها وغنائها..
ومنحه عبدالناصر الجنسية المصرية في 1960، كما منحه جائزة الدولة التقديرية، وكان ذلك قبيل وفاته في 5 يناير 1961.
ورحل بيرم التونسي عن عالمنا بعد صراع مع مرض، في5 ينايرعام1961