جماعة الدم ( ٨ ) محاولة إغتيال النبوى إسماعيل .. والتفاصيل المثيرة لأحداث الفتنة الطائفية بالزاوية الحمراء
تواصل بوابة " الدولة الإخبارية " اليوم نشر حلقات من كتاب جماعة الدم للكاتب الصحفى عبد الناصر محمد والذى يتم عرضه حاليا بالمعرض الدولى للكتاب وهو الكتاب الصادر عن دار العالمية للصحافة والنشر والتوزيع برئاسة الكاتب الصحفى هشام جاد.
أكد الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد أنه لا يوجد أدنى شك فى أن اللواء محمد النبوي إسماعيل يعد أبرز من جلسوا على مقعد وزارة الداخلية في مصر على مر كل العصور ، وذلك نظراً للأحداث الجسيمة التي شهدها الوطن في عهد ذلك الرجل الشعبي الأصيل ، فهو ابنا من أبناء حي عريق يتمتع أهله بالوطنية الحقيقية، وكانت لهم أدوار بارزة في الكثير من الأعمال الوطنية ضد أباطرة الاستعمار والمحتلين ، حي يتميز رجاله بجدعنة أولاد البلد فهم كانوا ومازالوا يتمسكون بالعادات والتقاليد الأصيلة ، وهذا الحي هو حي الدرب الأحمر.
تخرج محمد النبوي إسماعيل في مدرسة الشرطة سنة ١٩٤٦ قبل أن تصبح كلية ثم أكاديمية ، وعمِل في الأمن العام ضابطاً بأقسام شرطة مختلفة كلها في محيط محافظة القاهرة ، ثم انتقل للعمل المباحث الجنائية ثم عمل في جهاز مباحث أمن الدولة قبل أن يتولى منصب مدير مباحث النقل والمواصلات ... بعد هذه الرحلة الوظيفية الدسمة عمل اللواء النبوي إسماعيل نائباً لوزير الداخلية وذلك في فبراير سنة ١٩٧٧ ، وبعد ستة أشهر فقط تم تعيينه وزيراً للداخلية في فترة هي الأخطر والأكثر إثارة في تاريخ مصر الحديث .. وكيف لا تكون هي الأخطر والأهم وقد شهدت اغتيال رئيس الجمهورية ؟!.
كانت حقاً أياماً عصيبة تلك الأيام التي تولى فيها النبوي حقيبة وزارة الداخلية .. حيث نجد قوى المعارضة تشن هجوماً ضارياً على الرئيس السادات بسبب مهادنته لإسرائيل وتخليه عن السلاح، بل والجلوس على طاولة المفاوضات ضارباً بالموقف العربي عرض الحائط، ومتخلياً عن القضية العربية وبخاصة القضية الفلسطينية - وهذا بالطبع من وجهة نظر قوى المعارضة في مصر وخارجها في هذه الفترة .
خلال هذه الفترة استغلت الجماعات المتطرفة حالة اللاحرب واللاسلم، واستغلوا الأزمات السياسية والاقتصادية وعلى رأسها حالة الغلاء التي ضربت البلاد - ما أشبه الليلة بالبارحة .. صورة طبق الأصل مما يحدث حاليا - وحاولت إشعال الفتن وتأليب الرأي العام ضد السادات ونظامه، والقيام بارتكاب أعمال عنف متنوعة، وإصدار بعض الكتب التي تحض على كراهية الأقباط والنظام الكافر الذي لا يطبق الشريعة ، تلك الأعمال تصدى لها النبوي إسماعيل بكفاءة كبيرة وقام باعتقال عدد كبير من أباطرة التطرف.
استمرت العلاقات المتوترة بين الدولة وجميع قوى المعارضة وهو الأمر الذي جعل الأرض ممهدة للجماعات المتطرفة المنبثقة من تيار الإخوان، بل وازدادت سخونة بعدما قررت الحكومة زيادة سعر رغيف الخبز طبقاً لتعليمات الصندوق والبنك الدوليين، وخرج الشعب في موجات غاضبة يندد بهذا القرار الغاشم وذلك خلال يومي ١٨و١٩ يناير سنة ١٩٧٨ ، وهذه الأحداث استغلتها عناصر الجماعات المتطرفة تماماً، وكادت تكون صورة بالكربون من حريق القاهرة لولا السيطرة الأمنية السريعة على تلك الأحداث، وقيام قيادات الداخلية بتهدئة الموقف مستخدمين أساليب مختلفة ليس فقط سرعة القبض على العناصر المتورطة والتي حرقت وسلبت، ولكن من خلال الدخول في مفاوضات الغرض منها التعبير عن الغضب بأسلوب حضاري بعيد عن العنف.
زادت الهوة بين قوى المعارضة والرئيس السادات خاصة بعد أن قام الرئيس - بشكل مفاجئ وصادم للجميع - بالتوقيع على اتفاقية كامب ديفيد في ١٧ سبتمبر ١٩٧٨ وهو الأمر الذي جعل كل المعارضين وأيضا كل الدول العربية يتهمون السادات بالخيانة العظمى.
حالة من السخط العام سيطرت على الشعب ضد السادات بسبب هذه الزيارة التي قام بها لإسرائيل للتوقيع على اتفاقية السلام مع العدو الصهيوني، وكانت وزارة الداخلية في هذه اللحظات مطالبة بحفظ الأمن وعدم الخروج على النظام حتى لا تدخل البلاد في موجة الاضطرابات والفتن تلك المواقف التي تجيد استغلالها جيداً جماعات الدم والإرهاب.
وفى هذه الأثناء كان للسادات رأى آخر حيث اعتقد أن فتح أبواب السجون والمعتقلات للعناصر التابعة للجماعات الإرهابية سيكون له مردود إيجابي، وقد يكونون العصا التي يضرب بها قوى المعارضة ولذلك فقد قرر الإفراج الفوري عن كل المعتقلين من الجماعات المتشددة، غير مدرك أن تلك العناصر الضالة لا تعرف سوى لغة الدم، ولا يصونون أي عهد، وينكرون الجميل، فلا دين لهم ولا ملة.
ثم كان عام ١٩٨١ والذي شهد أحداثاً جسيمة لم تشهد له الدولة مثيل .. تلك الأحداث التي تعكس مدى دموية تلك العناصر المشبوهة المنتمية للتيارات الإخوانية المتطرفة ، لقد كان الوطن على موعد مع أسوأ فتنة طائفية في تاريخه وهى المعروفة إعلامياً باسم " أحداث الزاوية الحمراء " .. بدأت تلك الأحداث الدامية يوم ١٢ يونيو ١٩٨١ وازدادت وطأتها يوم ١٧ من نفس الشهر حيث كان حي الزاوية الحمراء مازال حديثاً، ولكنه كان يضم عدد كبير من العناصر الإخوانية وعناصر أخرى متشددة من الجماعات الأصولية، وحدثت أزمة طاحنة حول أحقية عدد من المسلمين وعدد آخر من المسيحيين في قطعة أرض بشارع منشية الجمل .. المسلمون يرغبون في بناء مسجد عليها ، والأقباط ينوون بناء كنيسة، وسرعان ما تحولت المشادة الكلامية بين الطرفين إلى مشاجرة والتي أصبحت كالنيران في الهشيم ، وتصاعدت الأحداث بسرعة فائقة، حيث استغلت العناصر الإرهابية هذا الخلاف وحولته إلى فتنة طائفية هي الأولى في تاريخ مصر عبر كل العصور، واعتبرته جهاداً في سبيل الله، وساروا يرددون في الشوارع " قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار " .. رفعوا المشاعل وأحرقوا بيوت ومحلات الأقباط ونهبوا محلات الصاغة وقتلوا أصحابها، واستباحوا دماء الأبرياء، وراح ضحية هذا الإجرام نحو ٨١ شهيداً معظمهم من الأقباط .. بصعوبة بالغة وبعد عدة أيام من هذه الجريمة البشعة والتي انتقلت إلى عدة مناطق أخرى بمحافظة القاهرة مثل الوايلى ومنشية الصدر بحدائق القبة، تمكن اللواء النبوي إسماعيل ورجاله من السيطرة على الموقف، وتم إلقاء القبض على العشرات من العناصر المشاغبة.
لم ينتبه السادات لخطورة هذه الجماعات التي أفرج عن كثير منها، ولم ينتبه أيضاً لتحذيرات وزير داخليته النبوي إسماعيل من وجود معلومات تفيد بتعرضه للاغتيال في يوم العرض العسكري حيث الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر المجيد .. وكان ما كان !!.
بعد هذه المطاردات التي قام بها النبوي إسماعيل للعناصر الإرهابية كان طبيعياً أن يدرج اسمه على قوائم الاغتيالات، وهذا ما حدث بالفعل، فقد وضعت جماعة الناجون من النار خطة لاغتياله، حيث رصدوا تحركاته بدقة بالغة.. راقبوا منزله الكائن بشارع جامعة الدول العربية والذي كانت توجد به شرفة مطلة على الشارع الرئيسي، وظلوا متربصين منتظرين اقترابه من النافذة وما أن حدث ذلك يوم ١٣ أغسطس سنة ١٩٨٧ أطلقوا نحوه عدة طلقات طائشة ولم يصب بأي أذى وفروا الجناة، ولم تتمكن الحراسة المشددة على النبوي إسماعيل من إلقاء القبض على أي منهم أو حتى تعقبهم ، وخلال شهر سبتمبر تمكنت قوات الأمن من الوصول إلى التنظيم ، وقتل محمد كاظم أبرز عناصر التنظيم بعد مواجهة شرسة مع رجال الأمن ، وألقى القبض على يسرى عبد المنعم وهرب مجدي الصفتى زعيم التنظيم ومعه عبد الله حسين أبو العلا ، وجميعهم كانوا من العناصر الجديدة على ساحة العنف في مصر.
موضوعات ذات صلة:-
” بوابة الدولة ” تبدأ نشر حلقات كتاب ” جماعة الدم ” للكاتب الصحفى عبد الناصر محمد
” بوابة الدولة ” تواصل نشر حلقات كتاب جماعة الدم للكاتب الصحفى عبد الناصر محمد ” الحلقة الثالثة ”
البركان الخامد : الحلقة الثانية من كتاب جماعة الدم للكاتب الصحفى عبد الناصر محمد
كتاب جماعة الدم ” ٤ ” .. رصاصات الغدر الإخوانى على حائط منزل المفكر العظيم ” عباس العقاد ”
جماعة الدم ”٧” الشيخ الذهبى .. وتفاصيل أبشع جريمة إغتيال
جماعة الدم ” ٥” حين إلتهمت نار الإخوان مدينة القاهرة
جماعة الدم ٦.. تحقيق حلم الوصول إلى حكم مصر يبدأ بإغتيال ” عبدالناصر ”
جماعة الدم .. إصدار جديد لدار العالمية للصحافة والنشر والتوزيع