جماعة الدم ”٧” الشيخ الذهبى .. وتفاصيل أبشع جريمة إغتيال
تنشر بوابة " الدولة الإخبارية " اليوم واحدة من أكثر ملفات الإرهاب إثارة والتى تناولها كتاب " جماعة الدم " للكاتب الصحفى عبد الناصر محمد والذى يتم عرضه حاليا على أرفف جناح دار المعارف بمعرض القاهرة الدولى للكتاب والذى صدر عن دار العالمية للصحافة والنشر والتوزيع برئاسة الكاتب الصحفى هشام جاد، وتلك الحلقة تتضمن التفاصيل الدقيقة لعملية إغتيال العالم الدينى الجليل فضيلة الشيخ محمد حسين الذهبى وزير الأوقاف وشئون الأزهر الأسبق .
أكد الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد أنه عقب صلاة عشاء يوم السبت الثاني من يوليو عام ١٩٧٧ ، وفى ليلة صيفية لم تخلو من نسمات هواء منعش بدأت الأمسية المعتادة في منزل العالم الكبير فضيلة الشيخ محمد حسين الذهبي، وزير الأوقاف وشئون الأزهر السابق ، والذي اعتاد عقد هذه اللقاءات الدينية مع عدد من أصدقائه، وبعض الجيران منذ أن ترك الوزارة في نوفمبر ١٩٧٦ بعد عام ونصف العام في هذا المنصب الرفيع. جلس الشيخ الذهبي على مقعده المعتاد، فيما جلس الضيوف فوق " كنبتين بلدي "، تتوسطهما منضدة خشبية، تتراص عليها أكواب الشاي بالنعناع، وبدأ السمر ودار النقاش حول أمور الدين وعن الفكر التنويري الذي يتبناه الشيخ الجليل، والذي التقط طرف الحديث وغاص في بحر علوم الدين الصحيح الذي لا يعرف التطرف أو العنف.
سأله أحد الحضور عن سر هجومه المستمر على العديد من المفسرين، أجاب الذهبي : إنني باعتباري أستاذ تفسير في كلية أصول الدين أريد أن أوضح أن كتب التفاسير مليئة بالعديد من الخرافات والإسرائيليات، وأنه طالما دعا إلى تجديد الفكر الديني، وذلك من خلال تنقية كتب التفسير من الإسرائيليات. سأله آخر عن كتاب التطرف الذي ألفه الشيخ، أجاب الذهبي قائلا : " إن كتاب التطرف يؤكد أن الدين الإسلامي يدعو إلى التسامح وليس للإرهاب وحمل السلاح بلا مبرر، ولا يعترف بتلك الجماعات المتشددة التي ترتكب الجرائم باسم الدين والدين منهم براء" .. ثم توقف الشيح وسرح خياله، ثم عاد للحديث مرة أخرى وقال مبتسما : " إن هذا الكتاب بالطبع لم يعجب الجماعات الإرهابية فقاموا بسحبه من الأسواق حتى لا يصل إلى يد القراء ويتعرفون على فسق وضلال تلك الجماعات، وهو الأمر الذي دعاني إلى طبع نسخة ثانية من كتاب التطرف، وقمت بتوزيعه على قيادات المفكرين والإعلاميين، وبدأ الرأي العام يردد أفكار هذا الكتاب ويواجه أباطرة التشدد بالفكر المستنير والحجة القوية".
ولا شك أن هذا الرأي، والذي سبق أن ردده الشيخ الذهبي في العديد من المناسبات والمؤتمرات، قد لاقى استياء شديدا من جانب شجرة جماعة الإخوان، ومن كل فروعها من الجماعات المتشددة.
الجريمة :
سرعان ما مرت السويعات الرائعة الشيقة، وانقضت الأمسية، وذهب الشيخ الذهبي بعد أن ودع ضيوفه إلى سريره لينال قسطا من الراحة حتى صلاة الفجر غير مدركا لما تخبئ له الأقدار. صمت تام يحيط بمكان فيلا الشيخ الذهبي بشارع السايس بحدائق حلوان، فجأة تتوقف سيارتان أمام باب الفيلا، الأولى فيات ١٢٨ ، والثانية ماركة مازدا، ينزل منهما عدد من الشباب المدججين بالسلاح، ويظل سائق السيارة المازدا عند سيارته ليقوم بتغيير إطارها الأمامي.
ستة أفراد يتزعمهم رجل يرتدى زى ضابط شرطة يتجهون نحو باب الفيلا، ويقومون بالطرق عليه بعنف، فيتحول الصمت إلى صخب شديد، والهدوء إلى توتر، وتعم الفوضى و تنتاب من بداخل الفيلا حالة من الفزع، و يقوم الدكتور محمد الذهبي نجل الشيخ الجليل بفتح الباب فيجد زوار الفجر مشهرين أسلحتهم في وجهه، و يسألونه عن الشيخ بحجة أنه مطلوب لدى مباحث أمن الدولة، وأنهم فرقه أمنية جاءت لتنفيذ الأمر، وهنا شكّت أسماء الابنة الكبرى للشيخ الذهبي في الأمر، و طالبتهم بإظهار كارنيهاتهم، وهو الأمر الذي أزعج فريق الاختطاف، وهنا خرج الشيخ الذهبي مهرولا وطلبهم بالانتظار حتى الصباح، غير أن فرقة الإرهاب سرعان ما التفوا حوله، واقتادوه بجلبابه الأبيض الطاهر و طاقيته البيضاء، وكان حافيا، إلى خارج الفيلا وسط صراخ شديد من ابنته أسماء، وألقوا بالشيخ داخل السيارة الفيات، وذهبوا به إلى مكان غير معلوم دون أن ينتظروا زميلهم الذي لم ينته بعد من تركيب إطار السيارة المازدا.
وأمام صراخ ابنة الشيخ هرول بعض الجيران إلى فيلا الشيخ الذهبي وعثروا على الشاب وأوسعوه ضربا إلى أن جاءت الشرطة واستجوبته، ولكنه أنكر معرفته بالمجموعة التي اختطفت الشيخ. خلال الساعات الأولى من الاختطاف لم تتمكن أجهزة الأمن من تحديد هوية الجهة الخاطفة، وإن كانت هناك شكوك حول جماعة " التكفير و الهجرة " التي يتزعمها الإخواني شكري أحمد مصطفى.
الأمير :
شكري أحمد مصطفى هو أحد العناصر المؤثرة في خلية سيد قطب التي قررت القيام بانقلاب على الحكم واغتيال الزعيم جمال عبد الناصر عام ١٩٦٥، وقد تم القبض على شكري أحمد مصطفى في هذا العام وعمره ٢٣ عاما ، وكان طالبا في كلية الزراعة جامعة أسيوط، وخرج في العفو الذي منحه الرئيس السادات لعدد من العناصر الإخوانية عام ١٩٧٤. تزوج شكري من شقيقة القطب الإخواني محمد صبحي مصطفى، وبعد خروجه من السجن أسس جماعة الهجرة والدعوة، والتي عرفت إعلاميا باسم جماعة " التكفير والدعوة"، وأصبح هو أميرها ، وألف كتابين الأول " التوسمات" والثاني " الخلافة "، يدعو فيهما إلى نشر أفكار متطرفة مثل تكفير كل من لم ينتمي للجماعات الإسلامية، وهو تكرار لأفكار المتطرف الأعظم سيد قطب، واستطاع شكري استقطاب العديد من الأنصار والأتباع.
وفى أحد المؤتمرات سُئل الشيخ محمد حسين الذهبي عن كتاب الخلافة، فقال الشيخ الجليل أن صاحب هذا الكتاب لا يعرف عن أحكام الفقه الإسلامي سوى القشور، وقد تسبب هذا الرأي الذي نشر في كل الصحف في حدوث حالة من الانشقاق بين صفوف الجماعة ،وهو الأمر الذي جعل الشيخ هدفا شخصيا لتلك الجماعة الضالة.
بيان :
ما هي إلا سويعات قليلة ليخرج بيان من جماعة التكفير والهجرة تعلن فيه مسئوليتها عن خطف الشيخ محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف وشئون الأزهر السابق، ووضعت الجماعة عدة شروط للإفراج عن الشيخ، وهى الإفراج عن ستين من عناصر الجماعات الإسلامية المقبوض والمحكوم عليهم، مع دفع فدية قيمتها ٢٠٠ ألف جنيه، ونشر اعتذار بالصفحات الأولى من الصحف اليومية للجماعة، مع نشر كتاب الخلافة على حلقات، على أن يتم بدء تنفيذ تلك الشروط قبل حلول الساعة الثانية عشرة ظهر اليوم الأحد الموافق الثالث من يوليو ١٩٧٧. عقب البيان بدأت أجهزة الأمن بالاتصال بمحامى الجماعة شوكت التونى، وطالبته بالتدخل للوساطة مع الجماعة، وبالفعل تدخل المحامى ووافقت الجماعة على مد المهلة حتى الساعة الخامسة من مساء نفس اليوم الأحد ٣ يوليو ٧٧ . وأعلن رجل الأعمال عثمان أحمد عثمان، وهو صديق حميم للشيخ الذهبي، عن استعداده لسداد مبلغ الفدية، غير أن النبوي إسماعيل وزير الداخلية آنذاك رفض الخضوع لهذه الشروط. وانقضت المهلة ولم تخرج أي بيانات جديدة سوى تأكيدات من مصادر مجهولة عن أن الشيخ الذهبي مازال على قيد الحياة.
كشف المستور :
وبعد حملات أمنية مكثفة، ومداهمات لأوكار الجماعة، تم ضبط كميات كبيرة من الأسلحة في شقة تابعة للجماعة تقع في منطقة الأندلس بالهرم، وعثر مع أحد العناصر على خطاب موجه من أمير الجماعة شكري أحمد مصطفى " أبو سعد " إلى هذه الخلية الموجودة بالشقة، يتضمن الخطاب " سرعة نقل البضاعة من مكانها الحالي وإلقائها في ترعة الزمر ". وهنا دب القلق في نفوس رجال الأمن الذين أدركوا أن هذه الرسالة المشفرة قد يكون المقصود بها الشيخ الذهبي، وبعد ضغوط على العناصر المضبوطة، علم رجال البوليس أن الشيخ موجود في فيلا بشارع محمد حسن بالهرم، وتوجه رجال الأمن إلى الفيلا وتم القبض على من فيها، وقد لاحظوا وجود نقاط دماء متجمدة ومبعثرة في صالة الفيلا ، واتجهوا إلى غرفة النوم ليجدوا الشيخ الجليل مكبلا بسلاسل حديدية، وملقى على وجهة على سرير الغرفة معصوب العينين مدرجا في دمائه بعد إصابة برصاصة قاتلة في عينه اليسرى.
الوداع :
وفى يوم ٧ يوليو ٧٧ تم تشييع جنازة الشيخ محمد حسين الذهبي الذي سقط ضحية التخلف والإرهاب والعنف ، وراح ضحية آرائه التنويرية، وخرج عشرات الآلاف من جموع الشعب لوداع الشيخ الجليل وتشييع جثمانه الطاهر من جامع الأزهر، في حضور لفيف من كبار رجال الدولة آنذاك، يترأسهم محمد حسنى مبارك نائب رئيس الجمهورية آنذاك. وقد تم القبض على خلية الإرهاب، وتم توضيح دور كل منهم في العملية الغادرة لاغتيال الشيخ الذهبي ، وهم شكري أحمد مصطفى " أبو سعد " واضع الخطة، وماهر بكرى " أبو عبد الله " نائب أمير الجماعة .. مصدر الأوامر، وأحمد طارق عبد العليم ضابط شرطة مفصول.. قائد مجموعة الاختطاف، ومصطفى عبد المقصود غازي " أبو توبة " منفذ الاغتيال، وقد حكم عليهم جميعا بالإعدام، وتم تنفيذ الحكم في ١٩ مارس ١٩٧٨ .
المراجع
ملف القضية رقم ٢٠٥ لسنة ١٩٧٧ حصر أمن دولة عليا عدد صفحات ٧٥٢ صفحة .
كتاب " المتأسلمون " للدكتور رفعت السعيد .
كتاب " الثورة المضادة في مصر " للدكتور شكري غالى .
مذكرات اللواء فؤاد علام نائب رئيس جهاز أمن الدولة الأسبق .