الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد يكتب: الطرف المجهول المتورط فى حادث ” معدية الموت ”
فجأة يخطف الموت ١٧ فتاة فى عمر الزهور .. هن من قرية واحدة هى قرية " سنتريس " بمركز أشمون بمحافظة المنوفية تلك القرية التى إتشحت بالسواد حزنا على تلك الفتيات الشهيدات اللائى خرجن من منازلهن للعمل بأحد مصانع محافظة الجيزة .. باحثات عن لقمة العيش جميعهن يشعرن بالمسئولية كعادة المرأة المصرية الريفية الأصيلة .. منهن من تسعى لمساعدة والدها الفقير فى أداء دوره فى الإنفاق على أسرته بعد أن سقط هو الآخر غريقا فى موجات الغلاء الطاحنة المتعاقبة .. ومنهن من تسعى لشراء أيا من مستلزمات زواجها ومنهن من ترغب لشراء علاج لوالدها المريض .. منهن من تحلم بالفستان الأبيض فستان زفافها وهى لا تدرك أن الأهمال سوف يجعلها ترتدى الكفن الأبيض بدلا من الفستان .. صبايا لا يدركن ماذا تخبأ لهن الأقدار ؟!!.
إستقلت الفتيات سيارة ميكروباص ونظرا لأن ظروفهن المعيشية صعبة فقد إتفقن مع السائق أن تركب جميع الفتيات وعددهن ٢٦ فتاة فى هذه الرحلة القاتلة ولأن السائق هو الآخر من الجشعين فقد قام ب " حشر " الفتيات وجميعنا يعلم أن الحد الأقصى لركاب لسيارة الميكروباص هى ١١ راكبا فقط.
وصل السائق بمن معه إلى منطقة أبوغالب بدائرة مركز شرطة منشأة القناطر بمحافظة الجيزة وهناك إستقل " معدية " لنقل السيارات عبر ضفتى الرياح البحيرى وعند وصول المعدية إلى وجهتها بالناحية الغربية للرياح إهتزت كما هو مألوف لدى اصطدامها بمكان رسوها تمهيدا للتوقف .. فى هذا التوقيت نزل السائق من سيارته لمعاتبة أحد عمال المعدية تاركا " فرملة اليد " فاعلة فرجعت السيارة إلى الخلف فى حين لم يغلق المسئول عن المعدية بابها الحديدى الخلفى الذى يضمن عدم سقوط ما تحمله على سطحها فأتخذت السيارة طريقها نحو نهر النيل لتغرق ويغرق كل من بداخلها من فتيات بريئات لم ينجو منهن سوى ٩ فتيات بينما سارت ١٧ شهيدة فى طريق الجنة.
تم القبض على السائق كمتهم أول وعلى عاملى المعدية كمتهم ثانى وتم أخذ عينة دم منهم للوقوف على مدى تعاطيهم للمخدرات.
ولكن هل يقتصر الإتهام على هذين الطرفين فقط ألم يكن هناك متهم رئيسى تسعى الأجهزة المعنية للتستر عليه .. ألم يكن هذا الطرف هو الحكومة الفاشلة وأجهزتها المحلية المتآمرة على المواطن والتى تعلم أنها محصنة ضد جرائمها المتكررة .. وحتى لا يتهمنا أهل الطبل والمزمار بأننا نتجنى على حكومتهم الرشيدة فلابد من التأمل فى هذا المشهد المأساوى الرهيب وأن نتسائل أولا لماذا تجرأ السائق وجعل ركاب السيارة ٢٦ راكبا ألم يخش أن يعترضه رجل أمن .. والإجابة أنه يعلم جيدا كيفية التعامل مع رجال الأمن فى مثل هذه المخالفات فكثير منهم يرفع شعار " ادفع عشان تعدى " .. ثم ألم يعلم أى مسئول فى مجلس مدينة منشأة القناطر أو مسئولى المسطحات النهرية أو أى جهة معنية بالأمر أن ترخيص هذه المعدية منتهى من شهر أغسطس من العام الماضى أى منذ عشرة أشهر كاملة .. ألم يعلم مسئولى تلك الحكومة أن ملف المخدرات جاوز كل الحدود وأصبح يمثل خطرا جسيما على المجتمع وأن هؤلاء الصبية سوف تثبت تحاليلهم أنهم من مدمنون وأن عدد المضروبون بالكيف فى مصر يتجاوز حاليا ٢٥ مليون مدمن .. أيها السادة الحكومة هى المتهم الرئيسى لمثل هذه الجرائم وهى بإهمالها وتقاعسها وعدم إكتراثها سوى بعلية القوم وراء نحيب وصراخ الأمهات الثكالى ووراء أنين الآباء وفاجعتهم فى فقد فلذات أكبادهم.
كاتب المقال الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد مدير تحرير بوابة الدولة الإخبارية والخبير المالى والإقتصادى