عبدالناصر محمد يكتب : هدم مقر جريدة الأحرار .. وصمة عار
أحزننا كثيرا ما أقدم إليه قراصنة الحكومة مؤخرا من هدم كيان عظيم عريق وهو مقر جريدة الأحرار بميدان حدائق القبة ليس فقط لإنه عاصر صولات وجولات صحفية بل لإنه أيضا شهد حركات ثورية ونضالية على مر العصور لرجال وقفوا بقلوب جسورة فى وجه الإستبداد الحكومى على مر الزمن .. كان هذا الصرح كيانا أثريا فائق الجمال حيث تم بنائه على طراز معمارى فريد وقد كان شاهدا على إجتماعات ولقاءات الضباط الأحرار عظماء ثورة يوليو المجيدة أعضاء مجلس قيادة الثورة هؤلاء الرجال الذين طهروا الوطن من فساد العصر الملكى وحرروا البلاد من نير الإحتلال البريطانى الغاشم.
الحزن لم يملأ صدورنا نحن كتيبة هذه الجريدة العريقة فقط بل سيطر على الكثيرين من أبناء الوطن وبخاصة جماهير دائرة حدائق القبة الذين وقفوا ليشاهدوا عملية إغتيال هذا الصرح العظيم وهم مذهولون لا حول لهم ولا قوة كلما سقط جزء منه كلما فرت من أعينهم دموع الحسرة والألم نعم كانوا يبكون على تاريخ ينهار على أيدى أباطرة لا يعترفون بماضيهم ولا يبالون بمستقبلهم.
حى حدائق القبة يعد واحدا من أعرق أحياء مصر المحروسة قاهرة المعز فيه عاش رموزا سياسية ووطنية ورياضية وفنية وعلماء كلهم شكّلوا وجدان الأمة وحفروا أسماؤهم بأحرف من ذهب فى سجلات تاريخ الوطن فهو حى ضارب بجذوره فى عمق تاريخ هذا البلد وكان من الأولى أن يتم إحترام الأماكن التى ظلت عشرات السنين شاهدة على هذا التراث الثرى.
لقد نزل خبر هدم مقر جريدة الأحرار بميدان حدائق القبة الواقع أمام القصر الجمهورى كالصاعقة فوق رؤوس الجميع حتى الذين لم تكن لهم ذكرى فى هذا المكان.
على الفور قمت بالتواصل مع أحد المسئولين بحى حدائق القبة والذى أكد أنه منذ فترة صدر قرار إزالة للمبنى العريق وقرارات إزالة أخرى للمبانى الملاصقة والتابعة لهيئة نظافة وتجميل القاهرة ومبنى ثالث تابع لوزارة الصحة علما بأن هذا المبنى الأخير تم تطويره وتحديثه مؤخرا!!.
وقال المسئول أن قرار الإزالة صدر فى إطار خطة تطوير ميدان حدائق القبة التى يتم تنفيذها منذ عهد محافظ القاهرة السابق وأن هذه الخطة صدرت بأوامر عليا وأن حى الحدائق ما هو إلا مجرد جهة تقوم بتنفيذ الأوامر مشيرا إلى أنه على ضوء ذلك تم إخطار مسئولى المبانى الثلاثة بالإخلاء منذ عدة شهور وتم التنفيذ بالفعل خلال الأيام القليلة الماضية.
إن سياسة الهدم ليست جديدة على هذا النوع الردىء من المسئولين فقد سبق هدم كيان بعظمة وبهاء شركة الحديد والصلب وتفكيكه وبيعه خردة وغيره من القلاع الصناعية الكبرى وكثير من الأماكن ذات الطابع الأثرى والمقابر والاضرحة التى تحمل فى أحشائها تاريخ وأمجاد لرجال كانوا يسكنونها آمنين مطمئنين ولكن زال الأمان وراحت الطمأنينة على أيدى بلدوزر حكومة الهدم والتخريب.
جريدة الأحرار أيها السادة التى أشرف ويشرف عمالقة من الكتاب والصحفيين الكبار بالإنتماء إليها هى أول جريدة معارضة تأسست عام ١٩٧٧ عن حزب الأحرار الدستوريين بزعامة مصطفى كامل مراد أحد الضباط الأحرار وكانت الجريدة تصدر تحت شعار " الشعب مصدر السلطات " لم يكن هدفنا تعرية الحكومة وإظهار فشلها أمام الرأى العام وإنما كنا نتبنى مدرسة النقد البنّاء .. نعم كنا ننتقد ولكننا فى الوقت نفسه كنا نقدم الحلول التى كثيرا ما عمِل بها المسئولون وكانت طوق نجاة فى كثير من الأزمات ،
طالما إرتبطت أجهزة الدولة بهذا المقر الذى يطلق من خلال منصاته صرخات المجتمع وكان لسان حال الشعب الذى كان ينطق دائما بالحق.
ألا يعلم ذلك أولى الأمر الذين أمسكوا سكينا ذبحوا به تاريخ وتراث وطن .. ألم يعرفوا أهمية تلك الأماكن التى حوّلوها إلى ركام بفضل آلاتهم الثقيلة ولكن كانت قلوبهم أشد غلظة من تلك الآلات وكيف ننادى هؤلاء وهم لا حياة لهم وكيف نوجه اللوم لأباطرة يعتبرون تاريخ وطنهم مجرد سراب وحكايات عفا عنها الزمن.
لو كان هؤلاء القراصنة يحترمون تاريخ وطن هم مسئولون عنه لرفعوا شعار التقدير والتبجيل لهذه الأماكن وقاموا بترميمها لو لزم الأمر وحولوا مبنى جريدة الأحرار إلى متحف أو مركز ثقافى يحكى للأجيال القادمة عراقة هذا الحى الذى كان يسكنه كثير ممن سطروا بأعمالهم المجيدة تاريخ هذا الوطن فى مختلف المجالات السياسية والعلمية والرياضية والفنية وهم كثيرون ، ولكن إلى من نتحدث وهم أناس صمّوا آذانهم عن النصح والإرشاد وتقبل الرأى الآخر ونصّبوا أنفسهم فراعنة يأمرون ونحن علينا السمع والطاعة.
كاتب المقال الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد مدير تحرير بوابة الدولة الإخبارية والخبير المالى والإقتصادى