الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد يكتب: الوداع يا جمال .. يا حبيب الملايين
اللحظات الأخيرة فى حياة الزعيم " عبدالناصر " ، تمر اليوم ٥٤ سنة على رحيل زعيم الأمة العربية الرئيس جمال عبد الناصر حيث تحل اليوم ذكرى موته المفاجئ عن عمر يناهز ٥٢ عاما فقط .. رحل الزعيم بعد أن أرسى كل مبادىء الوطنية فى قلوب كل الشعوب المتحررة ليس فقط على مستوى الوطن العربى بل فى كل أوطان العالم .
فى يوم رحيله والذى كان يوافق يوم ٢٧ من شهر رجب سنة ١٣٩٠ الموافق ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠ حقق عبدالناصر نصرا عربيا كبيرا حيث نجح فى وأد الفتنة التى إشتعلت بين فلسطين والأردن حيث إنتهى فى هذا اليوم مؤتمر القمة العربية بالقاهرة بإتفاق ملزم للفصائل الفلسطينية المسلحة والقوات الأردنية لوقف نزيف الدماء بين الطرفين والتى تسببت فى تخريب العاصمة الأردنية " عمّان " .
كان عبدالناصر يعانى من مرض السكرى والذى تسبب فى تعرضه للعديد من الإنتكاسات الصحية فضلا عن أنه سبق أن تعرض لذبحة صدرية وكان يحتاج لراحة تامة كما نصحه الأطباء بذلك بل أن أحدهم حذره من وجود خطر على حياته إن لم يستمع لتلك النصائح ويسلم جسده للراحة التامة وألا يقوم بأى مجهود أو يتعرض لأى إنفعال .. ولكنه عبدالناصر !!.
فضل عبدالناصر أن يعرض حياته للخطر على أن تتعرض وحدة الصف العربى للخطر والإنهيار والدخول فى آتون حروب أهلية حيث أن الأيام الأخيرة التى تسبق ذلك اليوم المشئوم كانت تشهد صراعا دمويا خطيرا بين القوات الأردنية والفصائل الفلسطينية المسلحة التى تم ترحيلها إلى المملكة الأردنية هروبا من عمليات التنكيل والتصفية الجسدية التى كان ومازال يقوم بها العدو الصهيونى الغادر ضد الشعب الفلسطينى.
تمكن عبدالناصر وكل القادة العرب من حقن الدماء العربى وبعد إنتهاء المؤتمر بدأ الرئيس فى توديع الرؤساء والملوك والأمراء المغادرين لبلدانهم من مطار القاهرة وكان آخرهم أمير الكويت وفى هذه اللحظات أحس عبدالناصر أنه يعانى من إجهاد شديد وأنه غير قادر على الحركة وكان يتصبب عرقا وبدت على ملامحه علامات الإعياء والإرهاق وحين صعد أمير الكويت إلى طائرته طلب الرئيس سيارته على غير العادة حيث كان يذهب ماشيا إلى حيث تقف السيارة وقرر العودة إلى منزله وإستدعاء طبيبه الخاص الدكتور " الصاوى حبيب ".
عاد الرئيس إلى منزله وكانت الأسرة بأكملها فى إنتظاره ، وحين لاحظ علامات القلق تطل من أعين جميع أفراد أسرته قام بمداعبة حفيديه " هالة وجمال " لكى تطمئن قلوبهم ولكن القلق ظل مرتسما على وجوههم حيث ووجهه الشاحب كان يدعو لذلك القلق.
ثم إتجه الرئيس إلى غرفة نومه ترافقه قرينته السيدة " تحية " وساعدته فى خلع ملابسه وإرتداء بيجامة بيضاء ، وهنا وصل الطبيب الذى إستشعر الخطر فقرر على الفور إستدعاء الطبيبين د. منصور فايز ود. زكى الرملى وطلب من السيدة تحية إعداد كوبا من عصير البرتقال وتقديمه للرئيس والذى تناوله وكان آخر شىء يتناوله الرئيس.
بوصول الدكتور فايز منصور أحست قرينة الرئيس أن هناك شىء غير عادى فقالت له: " لا تؤاخذنى يا دكتور مجيئك يقلقنى " .. ولكنه طمأنها .. وبدأ د. الصاوى حبيب بعرض مخاوفه من وجود جلطة فى الشريان الأمامى للقلب وأنه يرى أن الموقف دقيق وحرج للغاية.
وفى الساعة الخامسة من مساء ذلك اليوم بدأ النبض ينتظم وضربات القلب تعود إلى الطبيعى وهنا همّ الرئيس من فراشه وفتح الراديو نشرة الخامسة وطلب منه الصاوى أن يستريح ولا داعى لبذل أى مجهود مهما كان بسيط ثم أغلق الراديو بعد سماع ما كان يرغب فى سماعه وهو إنهاء حالة الصراع بين طرفى النزاع " الأردن وفلسطين " وتمدد على الفراش وهو يقول " الحمد لله .. أنا دلوقتى استريحت يا د.صاوى " .. وهنا لاحظ الصاوى أن الرئيس يغمض عينيه ويده تنزل من فوق صدره وتستقر بجواره بعدها لم يشعر عبدالناصر بشىء ولم ينطق بكلمة .. وقف الأطباء الثلاثة حول فراش الرئيس وهم عاجزون كل ما يفعلوه هو محاولات التدليك الصناعى للقلب وتكرار تجربة الصدمة الكهربائية ولكن لم يحرك جسد الرئيس ساكنا بلا نبض وهنا وقف الأطباء مكتوفى الأيدى فإن إرادة المولى عز وجل قد نفذت وتفوقت على قدراتهم الطبية ، فقد لفظ رئيسهم وقائدهم وزعيمهم بل وزعيم الأمة العربية كلها أنفاسه الأخيرة وعادت روحه الطاهرة إلى بارئها وحين تيقنوا من ذلك دخلوا جميعهم فى نوبة شديدة من البكاء، وحين إستمعت السيدة تحية نحيبهم دخلت مسرعة إلى الغرفة وإنحنت على جسد رفيق دربها وأمسكت يده وقامت بتقبيلها وأقبل أحد الأطباء ليغطى وجه جثمان الرئيس ولكنها نظرت إليه متوسلة بالدموع وهى تقول " إتركوه لى أنظر إليه أملأ عينى به ، وعندما جائت السيارة لنقل جثمانه الطاهر إلى قصر القبة كانت فى وداعه وهى تقول وحولها أولادهما " حتى بعد أن مات أخذوه منى لم يتركوه لى " .. وانطلقت السيارة فى جوف الليل الحزين .. ورحل زعيم الأمة جمال عبد الناصر وودعه ملايين الجماهير وهم يرددون " الوداع يا جمال يا حبيب الملايين ".
كاتب الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد مدير تحرير بوابة الدولة الإخبارية والخبير المالى والإقتصادى