الكاتب الصحفى صالح شلبى يكتب: توقعات تداعيات الازمة بين ترامب والرئيس الاوكرانى

توقعات تداعيات المشادة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد تكون ذات أهمية كبيرة على الساحة السياسية الدولية، خصوصًا في ظل التعقيدات التي تشهدها العلاقات الدولية حاليًافقد تترك المشادة تأثيرات مباشرة على مستقبل الدعم الغربي لأوكرانيا، وتعيد تشكيل مواقف الدول الأوروبية تجاه الأزمة الأوكرانية-الروسية، وكذلك تجاه الولايات المتحدة،إضافة إلى كيفية استفادة روسيا من تلك الأزمة وكيفية تفعيل دورها في محاولة تعزيز موقعها الإقليمي والدولي.
جاء الرد الاوربى قوياً ليحسم موقفها من الدعم الى أوكرانيا ، وهذا ما أكدة أمس الجمعة رئيس الوزراء البريطاني “التصميم المطلق” لبلاده على دعم كييف في حربها ضد موسكو، وتقديم بلادة قرض بقيمة 2,26 مليار جنيه استرليني لدعم دفاعات كييف العسكرية،وهذا القرض تعود أموالة للحكومة الروسية وتم احتجازها كجزء من العقوبات المفروضة على موسكو منذ بداية الحرب في فبراير 2022،هذه الخطوة تعكس تحولًا في استخدام العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، بحيث لا تبقى الأصول مجمدة فقط، بل تُستخدم لدعم أوكرانيا مباشرة، مما قد يثير ردود فعل غاضبة من موسكو، كما تعهد رئيس الوزراء البريطاني بتقديم “دعم ثابت” للرئيس الأوكراني، بعد تصادمة مع ترامب بالبيت البيضاوى.
وفى ظل تلك الازمة يجتمع نحو خمسة عشر زعيما أوروبيا اليوم الأحد في لندن لمناقشة قضايا مرتبطة بالأمن الأوروبي وأوكرانيا وتعزيز موقفها حاليا، بما في ذلك استمرار الدعم العسكري وزيادة الضغط الاقتصادي على روسيا ،هولاء الزعماءيمثلون حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا وفنلندا والسويد والدنمارك وتشيكيا وبولندا ورومانيا وتركيا،
كيف ستفعل روسيا من وراء هذه الأزمة؟
استغلال الانقسامات داخل الغرب: إذا أسفرت المشادة بين ترامب وزيلينسكي عن انقسامات بين الولايات المتحدة وأوروبا حول كيفية دعم أوكرانيا، فقد تسعى روسيا إلى استغلال تلك الانقسامات لتعزيز موقفها، فقد تعمل موسكو على تحفيز الخلافات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة وبين الحلفاء الأوروبيين، مما يقلل من وحدة الموقف الغربي وتقليل الضغوط الدولية على روسيا وزيادة فرصتها في تحقيق مكاسب عسكرية وسياسية في أوكرانيا، في حال تأثر الدعم الغربي لأوكرانيا بسبب الأزمة، قد تعتبر روسيا أن هذا هو التوقيت المناسب لتكثيف عملياتها العسكرية في أوكرانيا ،وتحقيق مكاسب على الأرض في المعارك الجارية، سواء عبر احتلال مناطق جديدة أو تعزيز سيطرتها على المناطق التي تخضع لها بالفعل.
نرى ايضاً انة من المتوقع أن تستغل روسيا هذه الأزمة لتعزيز علاقاتها مع الدول التي تتخذ موقفًا محايدًا أو تعارض التدخل الغربي في أوكرانيا، كما يمكن أن تسعى إلى تقديم نفسها كقوة عالمية تحارب الهيمنة الأمريكية، ما قد يكسبها دعمًا سياسيًا أو اقتصاديًا من دول أخرى. في نفس الوقت، قد تسعى روسيا إلى تخفيف العقوبات الدولية المفروضة عليها من خلال إقامة تحالفات جديدة أو تعزيز التحالفات القائمة مع الصين أو الهند.
ونرى أنة فى ظل الازمة الامريكية الاوكرانية ، يمكن أن تتفاوض روسيا لانهاء الحرب من موقع قوة حول شروط إنهاء النزاع. و فرض شروط تسوية تميل لصالحها، مثل الاعتراف بضمها لشبه جزيرة القرم أو سيطرتها على مناطق في شرق أوكرانيا. ومع ضعف التحالف الغربي، قد تجد أوكرانيا نفسها مضطرة لقبول شروط أقل مرونة.
روسيا قد ترى في الأزمة بين ترامب وزيلينسكي فرصة ذهبية لتعزيز مكاسبها على الساحة الدولية. سواء من خلال استغلال الخلافات داخل التحالف الغربي أو تكثيف عملياتها العسكرية في أوكرانيا، فإن موسكو قد تلعب دورًا محوريًا في تحويل الأزمة لصالحها، ولكن إذا استمر الدعم الغربي الموحد لأوكرانيا سيكون هو السد الذي يمنع روسيا من تحقيق مكاسب أكبر، وأي ضعف في هذا الدعم قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في موازين القوى في النزاع.
خلفية الأزمة بين ترامب وأوكرانيا
الحديث عن الازمة بين ترامب وزيلينسكي تعيدنا إلى علاقتهما السابقة التي ظهرت في ظل أزمة المكالمة الهاتفية الشهيرة في عام 2019، والتي كانت محور محاكمة عزل ترامب الأولى. في هذه المكالمة، اتهم ترامب بأنه حاول الضغط على زيلينسكي لفتح تحقيقات ضد منافسه السياسي آنذاك، جو بايدن، مقابل الإفراج عن المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا، ورغم أن تلك الحادثة خلفت توترًا بين الطرفين، إلا أن العلاقات بين أوكرانيا والولايات المتحدة ظلت مستقرة نسبيًا بعد مجيء إدارة بايدن، الاإنها بالتأكيد سوف تتأثر بفوز ترامب، خصوصًا في ظل اعتماد أوكرانيا الكبير على الدعم الغربي، بما في ذلك من الولايات المتحدة.
التوقعات المحتملة لتداعيات المشادة
إذا كانت المشادة بين ترامب وزيلينسكي تتعلق بانتقادات ترامب لسياسات الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا أو موقفه الشخصي من الحرب الروسية الأوكرانية، فقد يؤدي ذلك إلى انقسام داخلي في الولايات المتحدة حول مدى الاستمرار في تقديم الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا، قد يشكك بعض السياسيين المؤيدين لترامب في جدوى هذا الدعم، مما يضع زيلينسكي وحكومته في موقف حرج، خصوصًا إذا ارتبط الأمر بنقص في المساعدات أو تأخيرها.
زيادة الضغوط على زيلينسكي داخليًا:
من المحتمل أن تؤدي هذه المشادة إلى زيادة الضغوط على زيلينسكي داخليًا، فالمعارضة الأوكرانية قد تستغل أي توتر مع الولايات المتحدة لتوجيه انتقادات لزيلينسكي، خاصة إذا تضررت العلاقات أو تأثرت المساعدات، وفي ظل أوضاع الحرب المتأزمة، فإن أي تأثير سلبي على الدعم الأمريكي قد يفاقم الوضع الداخلي في أوكرانيا، مما يؤدي إلى تآكل الثقة في القيادة الأوكرانية.
تصاعد الخلافات السياسية
من الممكن أن يؤدي هذا الصدام إلى تصاعد الخلافات بين الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة حول كيفية التعامل مع أوكرانيا. قد تنقسم الآراء بين الديمقراطيين والجمهوريين، حيث يفضل بعض الجمهوريين سياسات أقل تدخلًا في الشأن الأوكراني، خاصة إذا ارتبط الأمر بتكلفة الدعم المالي والعسكري. هذا الانقسام قد يضر بوحدة الموقف الأمريكي تجاه أوكرانيا، ويضعف الجهود المبذولة لمواجهة التدخل الروسي.
إعادة تقييم الدور الأوروبي:
في حال تراجع الدعم الأمريكي أو تأثره بسبب هذه الأزمة، قد تجد الدول الأوروبية نفسها أمام مسؤولية أكبر في دعم أوكرانيا. قد تضطر الدول الأوروبية إلى تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية أكبر لتعويض النقص المحتمل في الدعم الأمريكي. وهذا قد يتطلب إعادة تقييم للسياسات الأوروبية تجاه الحرب في أوكرانيا، وربما المزيد من التنسيق بين دول الاتحاد الأوروبي لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية المتزايدة.
الموقف الأوروبي المحتمل من الأزمة
فى بداية الازمة دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيريه الأميركي والأوكراني إلى “الهدوء والاحترام”. وأكد أن تراجع الولايات المتحدة المحتمل عن دعم أوكرانيا “ليس في مصلحة” واشنطن، محذراً من أنه إذا لم يتم إيقاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فإنه “سيذهب بالتأكيد إلى مولدافيا وربما أبعد من ذلك إلى رومانيا”.
الدول الأوروبية، التي تشكل جزءًا مهمًا من التحالف الغربي الداعم لأوكرانيا، سيكون لها دور حاسم في مواجهة تداعيات هذه المشادة،ويمكن توقع عدة سيناريوهات لموقف الدول الأوروبية:
من المتوقع أن تستمر الدول الأوروبية الكبرى، مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، في دعم أوكرانيا بغض النظر عن أي توتر قد يحدث بين الولايات المتحدة وزيلينسكي. هذه الدول تدرك أهمية استقرار أوكرانيا كجزء من الاستقرار الأوروبي العام، ولن ترغب في ترك أوكرانيا تواجه التحديات الروسية وحدها، ومن الممكن أن تزيد الدول الأوروبية من مساعداتها العسكرية والإنسانية لتعويض أي نقص في الدعم الأمريكي.
ومن المتوقع أن يطلق الاتحاد الأوروبي مبادرات جديدة لتعزيز القدرات الدفاعية الأوكرانية، وتوسيع نطاق العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، كما ستسعىبعض الدول الاوربية تقديم مبادرات دبلوماسية، ولعب دور الوسيط لحل الأزمة الدبلوماسية بين ترامب وزيلينسكي، إذا تطورت المشادة إلى مستوى يؤثر على التعاون الدولي فقد تقدم فرنسا أو ألمانيا وبريطانيا مبادرات تهدف إلى تقريب وجهات النظر، أو الحفاظ على التوازن بين الأطراف المعنية، خاصة إذا كانت هناك مخاوف من تأثيرات هذه الأزمة على الاستقرار العالمي.
في ظل أي توتر محتمل بين أوكرانيا والولايات المتحدة، قد تعمد الدول الأوروبية إلى زيادة تعاونها مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتعزيز الدفاعات الأوكرانية، فقد يلعب الناتو دورًا أكبر في تقديم المساعدات العسكرية والتدريبات، وربما إرسال قوات إضافية إلى الحدود الشرقية لتعزيز الحماية ضد التهديدات الروسية.
فى نهاية تحليل هذا المشهد الضبابى نؤكد إن تلك المشادة التى يتحدث عنها شعوب العالم بين دونالد ترامب وفولوديمير زيلينسكي قد تحمل تداعيات كبيرة على العلاقات الدولية، خاصة فيما يتعلق بمستقبل الدعم الأمريكي لأوكرانيا، رغم أن الدعم الأمريكي يظل مهمًا جدًا لأوكرانيا، إلا أن الدول الأوروبية قد تجد نفسها مضطرة لتحمل مسؤولية أكبر في دعم أوكرانيا في حال تأثرت العلاقات الأمريكية-الأوكرانية، أوروبا قد تعزز دورها في تقديم المساعدات العسكرية والدبلوماسية، وقد تضطر إلى التكيف مع واقع جديد يعتمد فيه استقرار أوكرانيا بشكل أكبر على الجهود الأوروبية.