الدكتورة غادة صقر تكتب ”الوعاظ الجدد: كيف تصنع الشعارات طبقًا من ”الهواء” المقلي؟”

في زمن ارتفعت فيه الأسعار حتى صار الخبز أشبه بالجواهر، يخرج علينا البعض من أصحاب الحكمة المزيفة والشعارات الفارغة ليقولوا لنا بكل إستفزاز: "الشعوب لا تعيش بالطعام، ولكن بالتضحيات!".. يا أخي، ليتك توضح لنا: هل نتناول التضحيات على الفطور أم العشاء؟ هل تأتي التضحيات مع صلصة حارة أم صلصة "المعاناة"؟ لأننا – ونحن المساكين – لم نجد حتى اليوم أي وصفة تطبخ التضحيات في المنزل.
ثم يضيف هؤلاء الواهمون بكلماتهم الطنانة: "العيب ليس في الحكومة، العيب في المواطن". نعم، المواطن الذي يُفترض أن يقاتل كل يوم ليبقى على قيد الحياة في معركة ضد أسعار لا تعرف الرحمة، كيف لا يكون العيب عند المواطن الذي يجرؤ على الشعور بالجوع؟ هذا المواطن الجاحد الذي يطالب باللحم والخضار بدلاً من أن يكتفي بـ"الشعارات المقلية" على النار!
الأمر الأكثر استفزازًا أن هؤلاء المتحدثين بألسنة الحكمة المزيفة يتجاهلون تمامًا أنين الناس اليومي، ذاك الأنين الذي يسمعونه حتى داخل الميكروباصات ووسائل النقل العامة، هم يتحدثون عن التضحيات بينما الناس يشتكون بصوت عالٍ من لهيب الأسعار الذي يشعل جيوبهم ويخنق قدرتهم على الاستمرار.
وعوضًا عن تقديم حلول عملية أو حتى انتقاد السياسات الاقتصادية المتبعة، تجدهم يرمون كل اللوم على المواطن، وكأن المواطن هو المسؤول عن كل شيء؛ عن الغلاء، عن جشع التجار، عن فوضى الأسعار، وحتى عن الهواء الذي يتنفسه!
هؤلاء الوعاظ الجدد لم يقدموا يومًا أي نصيحة للحكومة أو يطرحوا حلاً ملموسًا لمواجهة هذا الغلاء المتوحش، لم نسمعهم يوجهون انتقادًا واحدًا إلى التجار الذين يتلاعبون بالأسعار، فتجد السلعة الواحدة تُباع في محل بسعر، وفي آخر بسعر أعلى، وكأننا في سوق حرة للفوضى.
نقول لهؤلاء: شكرًا على نصائحكم وشعاراتكم الرنانة التي لم تجلب للشعب إلا الحزن والألم والإحباط، أنتم تساهمون في تعميق جراح الشعب بكلماتكم الجوفاء.
نقول لكم: اتقوا الله في هذا الشعب المصري الذي تحمل الكثير والكثير من أجل وطنه، الشعب الذي ينهض كل يوم وهو محمّل بهموم أكبر من أن تُحتمل، بينما أنتم تتحدثون عن التضحية وكأنها مجرد نظرية فلسفية تُناقش على طاولات الاجتماعات.
الشعب لا يعيش بالشعارات، بل بالعمل الجاد والحلول الحقيقية التي تنعكس في حياته اليومية. إن لم تستطيعوا تقديم حل، فلا تزيدوا الطين بلة بخطاباتكم التي لا تُغني من جوع!
للاسف نعيش مشاهد سريالانية حتى أصبح مألوفًا،أن يخرج علينا يوميًا جيش من المطبلاتية الجدد، يرفعون شعاراتهم العظيمة ويهتفون للحكومة وكأن هذا التصفيق سيُحَوَّل إلى رغيف خبز أو كيس سكر للفقراء! هؤلاء الذين لا يرون إلا ما يروق لهم، يجيدون فن التلميع على حساب جوع البسطاء وكأنهم يعتقدون أن مدحهم سيُترجم إلى حياة كريمة لأطفال باتوا ينامون على الجوع.
الفقراء، في عالم المطبلاتية، مجرد تفاصيل هامشية، لا مشكلة في أن يرتفع سعر العيش مادام التصفيق مدوياً، ولا ضيرأن تغيب اللحوم عن موائد الشعب طالما التصريحات الحكومية مليئة بالوعود السحرية! فالفقراء، في نظرهم، ليسوا إلا أرقامًا على ورق، تُستخدم لزيادة الجرعات الإعلامية عن الإنجازات الوهمية.
بل الأسوأ، يجرؤ هؤلاء على اتهام الفقراء بالتقصير أو التقاعس، وكأنهم هم السبب في ضيق العيش! أي منطق هذا؟ إذا كنت تجوع، فالمشكلة فيك، لأنك لا "تصبر" بما فيه الكفاية أو لا "تفهم" سياسات الحكومة العظيمة التي تحتاج إلى سنوات أخرى قبل أن تُثمر!
أوجة رسالتى الى قلة من السياسيون والصحفيون والإعلاميون، الذين يبيعون الكرامة من أجل المكاسب الضيقة، فقد تجاوزتم كل الحدود! أنتم تجيدون التطبيل والتلميع على حساب جوع البسطاء، تُدافعون عن الفساد وتزينون الفشل في كلماتكم وشاشاتكم. ماذا تفعلون سوى الكذب والتلاعب بمصائر الناس؟ تعيشون في أبراجكم العاجية بينما هناك البعض من الشعب يغرق في الفقر، وتظنون أنكم بمنأى عن المحاسبة؟ اتقوا الله! الشعب المصري لم يعد يصدق أكاذيبكم المكررة ولا شعاراتكم الزائفة.
كفاكم مكاسب على حساب الفقراء، كفاكم خداعًا. لن يطول بقاء هذا الكذب، ولن يستمر صمت الفقراء إلى الأبد، فإذا كان لكم بقايا ضمير، انزلوا من أبراجكم، وواجهوا الحقيقة التي تهربون منها: الشعب المصري يحتاج إلى عدالة حقيقية، وليس إلى تصفيقكم المنافق!"
كاتبة المقال الاستاذة الدكتورة غادة صقر الاستاذ المساعد للاعلام بجامعة دمياط وعضو مجلس النواب السابق