الدراما تعلن: النساء قادمات
شهد الموسم الدرامي الحالى مجموعة من الأعمال الجديدة التى تهتم فى مضمونها بقضايا المراه ومع حدوث طفرة درامية تغيرت الأطر النمطية التى أحدثت شروخا فى جدار قضاياها بدلا من إنصافها, لتتبدل الصورة السلبية وتنزع عنها ثوب المرأة الضعيفة الخانعة لسلطة الرجل, إلى الأدوار الريادية التى ترسخ أهمية دورها فى المجتمع, لتنادى بتفردها رافعة شعار”إلا أنا” فتقع الدراما فى غرامها وتصفها بـ”زى القمر” لتقدم لنا “من ورا كل باب” حكاية تطرق لقضايا متروكة خلف الأبواب المغلقة.. فهل أوفت الدراما المصرية حق المرأة وعززت من دورها فى المجتمع.
من أهم الأعمال الدرامية على الساحة والتى اهتمت بتقديم حكايات مقتبسة من أحداث حقيقة عن واقع حياة المرأة فى المجتمع من خلال قصص منفصلة شهدت حضورا قويا للبطولات النسائية, مسلسل “إلا أنا” فى موسمه الثانى ويضم 6 قصص اجتماعية تتضمن كل حكاية 10 حلقات بمؤلف ومخرج مختلف عن القصة الأخرى, والمسلسل فكرة الكاتب الصحفى يسرى الفخرانى, وجاءت الحكاية الأولى تحت عنوان “بيت العز” قامت بالبطولة سهر الصايغ ومن إخراج أحمد يسرى, لتأتى الحكاية الثانية تحت عنوان “بالورقة والقلم” من .
انطلق أيضا عرض الموسم الثانى من مسلسل “زى القمر” ليقدم حكايات منفصلة عبارة عن خمس حلقات لكل حكاية, ويعبر فى جميع حكاياته عن قضايا نسائية تناقش بشكل اجتماعى, وكانت أولى الحكايات بعنوان حكاية “غالية” بطولة درة وإخراج شرين عادل وتأليف أحمد حسنى وأحمد فرغلى, أما الحكاية الثانية فكانت بعنوان “أنا قبلت” بطولة آيتن عامر إخراج معتز حسام والقصة والسيناريو لأيمن الصواف.
ومن داخل البيوت المصرية يقدم الموسم الثانى من مسلسل “ورا كل باب” سلسلة من الحكايات المنفصلة الاجتماعية, منها “كدبة كبيرة” وقام بالبطولة أحمد زاهر وهنادى مهنى, العمل من تأليف إسلام حافظ وإخراج سميح النقاش, ليتبعها حكاية “رق الحبيب” بطولة سوسن بدر وإخراج إسماعيل فاروق.
تشيد د. رانيا يحيى -عضو المجلس القومى للمرأة- بنوعية الأعمال الدرامية التى يتم عرضها حاليا, واهتماما بطرح ومعالجة قضايا تهم المرأة والمجتمع بشكل مختلف بعيدا عن النمطية السائدة فى معظم الأعمال, وتقول: “فى الحقيقة هناك تطور هائل وملحوظ لتقديم صورة المرأة فى الدراما المصرية, فأصبح تعامل صناع الفن مع ملف المرأة باعتباره ملف ذو حيثية من الجهات المعنية وليس فقط مجرد عمل درامى, مما أضاف له بعدا فلسفيا وسياسيا, لينعكس ذلك على الدراما, فكان الناتج أعمال هادفة وراقية تنقل واقع المرأة بصدق وبشكل احترافى مميز, وهو ما كنا ننتظره ولمسناه بالفعل من خلال مسلسل “إلا أنا” و”زى القمر” واستطاعت تلك الأعمال من خلال تنوع القصص الخاصة بها أن تلقى حجرا فى بحر قضايا المرأة لتحرك الوعى تجاهها, وأهم ما يميز تلك القصص هو التركيز على قضية التمكين الاقتصادى للمرأة وقدرتها على بدء حياة جديدة مستقلة مليئة بالنجاح وتحقيق الذات مما يعطى أملا لجميع السيدات والفتيات التى تعانى من مشاكل اقتصاية واجتماعية”.
وتتابع: “المرأة بداخلها قوة وصلابة وتحدى للظروف الصعبة, فيجب التعبير عنها بما تستحق وليس بمجرد عمل فنى وجد فيه الكاتب مساحة ليطلق العنان لمخيلته, فيشكل شخصيات قد تسئ لها, ومؤكد أن هذا النهج ضد ما تنادى به الدولة من إعلاء شأن المرأة وتمكينها على كل المستويات ونالت اهتمام شخصى من رئيس الدولة عندما أطلق استراتيجية النهوض بها فى عام 2017, وليس المطلوب تحجيم حرية الفكر والابداع اطلاقا, المطلوب تفعيل لمفهوم الإطار الأخلاقى لتعزيز دور المرأة وابراز قدرتها على العطاء والابداع فى مجالها, وهناك بالفعل أعمال جسدت المرأة فى صور إيجابية ووضعت يدها على بعض المشاكل التى تعانى منها وتوظيفها ابداعيا وتلك الأعمال تأثيرها قوى بالفعل, لذلك أرى ضرورة تكاتف صناع الفن مع المجلس القومى للمرأة مع ايمان وقناعة من الصناع لتبنى القضايا التى تعمل على علاج وإصلاح شروخ هذا المجتمع وتعديل سلوكيات، وأشكال العنف المختلفة ضد المرأة, فالدراما من أهم الفنون التى تخاطب الناس بشكل مباشر وتأثر على المجتمع لتغير ثقافته ونظرته للمرأة, لأن الثقافة المجتمعية تظل هى حجر الزاوية فى معضلة التغيير لوجود ثقافات راسخة متجزرة فى المجتع لها أثار وتبعات, كتلك التى ترى المرأة أنها الحلقة الأضعف داخل العلاقة وأن الرجل هو المسيطر, ونحن بحاجة لتغيير الخطاب الثقافى برمته للقضاء على الأفكار المسمومة التى تعيش ضحيتها العديد من النساء”.
وتضيف قائلة: صحيح أن الفن يعكس الواقع بحلوه ومره, ولكن الفن دائما يحمل رسائل تنطوى على قيم الحق والخير والجمال واذا لم تنعكس تلك القيم من خلال العمل الفنى فمن المؤكد أنه يعانى من خلل ما, وفكرة التبرير وإلصاق كل القبح للواقع الذى ينعكس من قبل الفن فهى فكرة صماء, ولا أنكر وجود القبح ولكن الفكرة هى أنا كصانع للدراما كيف انتقى وكيف أعالج, وما هى آليات الطرح للخروج بنتائج لها قيمة توجه المجتمع نحو الجمال والقيم المستهدفة, فيجب التقليل من تقديم صورة العاهرة والسلوك الانحرافى المشين وتوجيه المجتمع للنماذج الإيجابية, وأيضا التصدى لظاهرة العنف ضد المرأة وتنمية الوعى لدى الشباب للتأكيد على ضرورة احترامها وذلك وفقا للقانون والدستور وحقوق الإنسان.
وتوضح: “لقد عانينا فى الفترة الماضية من نمطية الأطر الدرامية التى تعبر عن المرأة, وبصفتى عضو فى المجلس القومى للمرأة فهناك آلية لمتابعة الدراما من خلال لجنة الإعلام, وأتشرف بوجودى فى هذه اللجنة التى يصدر عنها بيان كل عام لتقييم صورة المرأة فى الأعمال الدراميةورصد الإيجابيات والسلبيات, والمؤشرات الأخيرة تؤكد أننا نسير نحو الأفضل”.
عصا سحرية
وتؤكد الناقدة الفنية حنان شومان، أهمية الأعمال الدرامية التى تسلط الضوء على قضايا المرأة وتعزز مكانتها وقدرتها على أحداث بعض التغييرات, وتقول: “مما لا شك فيه أن دراما هذا الموسم استطاعت أن تلمس قضايا فى العمق من خلال قصص واقعية تعبر عن أزمات حقيقة تواجهها النساء, فثمة تغير برز فى الدراما المقدمة بشخصات ومعالجات غير تقليدية لتعزف منفردة وبجودة عالية, فهى نقطة لا يمكن إغفالها, ولكن فكرة وجود عمل واحد أو اثنين واعطاء فرضية بقدرته على إحداث تغيير جذرى لإصلاح دور المرأة وصورتها فى المجتمع فهو ليس منطقيا خاصة فى المجتمع المصرى باختلاف طبقاته وتنوع الجغرافيا الخاصة به, فلا يمكن القول بأن عمل واحد كافى لاحداث التأثير المطلوب لكن قد تحدث موجة من التأثير لدى طبقات معينة, فالمسألة تحتاج إلى تفعيل مفهوم التراكم بمعنى أن يبدأ الخيط بعمل ثم تتوالى لتتراكم الأفكار والأعمال الفنية الجيدة بنفس الوتيرة وبشكل يضمن إحداث التغيير والتأثير المطلوب لمختلف الطبقات ومستوياتها التعليمية والاقتصادية والثقافية, فتغيير المجتمع يحدث على شكل موجات عندما تأتى موجة قوية تتبعها موجات أخرى, فلابد من اعطاء الزمن والوقت حقه لاحداث التراكم المطلوب.
وتتابع قائلة: لا أنكر أن الدراما تعتبر سلاح مؤثر فى ثقافة المجتمع ولكنها ليست العصا السحرية ولا يجب علينا أن نحملها كل الموبقات أو كل الحسنات، فصورة المرأة فى بعض الأعمال الدرامية دائما ما تتأرجح فى قالب المرأة الضعيفة المستسلمة أو قالب المرأة الخائنة إضافة لبعض الأعمال التى تروج لفرض سلطة الرجل وتعدد الزوجات بحجة أن الدراما مرآة الواقع وانعكاس للمجتمع, هى مقولة صحيحة ولكن يتم استخدامها بشكل خاطئ يجعل الفن هو المتهم بترويج أفكار هادمة, وهو قصر نظر, فالأمور لا يجب أن تسير على هذا المنوال, ولابد من صناع أى منتج فنى دراسة القضية محل النقاش والمعالجة وتحديد أبعادها الاجتماعية والنفسية لوضع حلول منطقية”.
وعن الفرق بين قدرة الكاتب أو الكاتبة فى نقل صورة المرأة للدراما، يقول شومان: “الكاتب الأصدق هو القادر على التعبير عن هموم ومشاكل المرأة بغض النظر عن النوع, وأفضل من عبر عن المرآة فى فترة من الفترات كان إحسان عبد القدوس.