الكاتب الصحفى صالح شلبى يكتب : النور قاطع والنت فاصل .. يوميات أساطير الاعذار

في يومٍ مشمسٍ، في عالمٍ مثالي، يفترض أن يذهب الموظف إلى عمله بكل نشاط وحماس. ولكن، دعونا ننتقل إلى الواقع القاسي حيث يعيش الفاشل الأعذارجي، ذلك المبدع الموهوب في صناعة الأعذار، وكأنه يحضر لنا موسمًا جديدًا من "الهروب من العمل"،هؤلاء ليسوا مجرد موظفين، بل هم فنانو الأعذار، أسياد الهروب، وعمالقة اختلاق القصص الدرامية التي تثير الشفقة، أو الضحك، حسب مزاجك.
يا سادة، نحن في عصر جديد، عصر كثرة الأعذار! عصر أصبح فيه "عذر مقنع" هو المهارة الأساسية التي يجب على الفاشل أن يتقنها للحصول على لقب "موظف العام... في الهروب"! هؤلاء الذين لا يرغبون في العمل ولا يتحملون أي مسؤولية، يأتون كل يوم بحقيبة مليئة بالأعذار، من النور اللي قاطع، إلى الإنترنت اللي فاصل، إلى البنت اللي عيانة، الى خالى الذى توفاة الله الى عمتى وجارتى ، الى اصابتى بسخونية شديدة ودور برد كأنهم يعملون في مسابقة يومية لابتكار أعذار جديدة كل مرة!
تخيل معي: أول يوم في الأسبوع، الساعة التاسعة صباحًا، وكل الموظفين مستعدين لبدء العمل... إلا "الفنان الأعذارجي". يستعد هو أيضًا، ولكن ليس للعمل. يستعد لاختيار العذر الذي سيقدمه اليوم! "يا جماعة، النت فاصل عندي"، وكأن الإنترنت انفصل عليه شخصيًا فقط، تاركًا العالم كله يعمل بسلاسة.
في اليوم التالي، يظهر بعذر أكثر إبداعًا: "النور قاطع!" طبعًا، وكأن النور قرر أن يختفي فقط في منزله، بينما باقي المدينة مضاءة كأنها مهرجان، طيب، هو مش خلاص قصة النور دي خلصت؟ ولا عندكم بس يا أصحاب الأعذار النور بيقطع؟
بصراحة، عذر "النور قاطع" ده بقى موضة قديمة جدًا، الناس في كل حتة معدتش بتقول الجملة دي غير في النكت! يعني فين النور اللي بيقطع ده؟! كلنا عايشين لا نور بيقطع ولا بيهبب ، الا عند حضرتك طبعًا! لانك ، انت عايش في عالم تاني. عالم النور اللي بياخد إجازة معاك يوميًا، يروح يريح شوية، ويقولك: "انا هقطع عشان تتهرب من الشغل براحتك!"
يا سيدي، حتى لو النور فعلاً قاطع، إيه علاقة ده باللاب توب اللي مهنج والموبايل اللي فاصل شحن؟! مش عارف، هل النور عندك بيقطع كمان الإنترنت والموبايل وكل حاجة بتحصل في حياتك؟ طب إحنا لو بنصدقك في الأول، خلاص، عذر النور ده خلصان... من عندك بس لسه بيقطع يا صاحب العذر، إحنا النور عندنا رجع من زمان!
صدقني، لو كان النور بيقطع عندك بجد، يبقى لازم نبعث لك ميدالية "أفضل ضحية كهربائية"، لأنك أكتر واحد بتعاني في الحياة... أو على الأقل أكتر واحد شاطر في تأليف أفلام القطع الكهربائي!
وإستكمالاً للاعذار يأتي بعذر آخر اليوم الثالث: "البنت عيانة!"وكمان ستها فى العناية المركزة وخالها فى الغرفة اللى جنبها بيعمل عملية الزايدة والناقصة ومن لا يتعاطف مع الأب المسكين الذي يحتاج إجازة لأن طفلته حرارتها ارتفعت درجة واحدة؟ ولكن الأمر الغريب أن "البنت العيانة" هذه تعاني دائمًا، وكأن المرض قد وقع في حبها!
واليوم الرابع؟هنا تبدأ التراجيديا العائلية. "خلتي ماتت". ولأن الخالات دائمًا في وضع صحي هش في عالم الأعذار، فهي تموت عدة مرات في السنة، وفي الأسبوع التالي: "عمى مات"، لا، ليس عمى الذي مات الأسبوع الماضي، هذا عَمٌّ آخر لم نسمع عنه قط! يبدو أن العائلة بأكملها في سباق زمني للفناء مع كل موعد تسليم في العمل.
وإذا لم تُقنعك كل هذه المآسي؟ بالتأكيد، سيخرج لنا بعذر أقوى من كل الأعذار: "أنا عندي دور سخونيةومعاة دور برد وكحة وعنية مش شايفة منها وعندى دوخة ". لا تسأل؟ ، هو لا يصاب بالبرد العادي أو الامرض الاخرى مثل بقية البشر، بل يعاني من "دور سخونية" أسطوري وأمراض أسطورية ، تجعله يرقد على سريره مثل محارب جريح في معركة مصيرية، يقاوم الحياة، والعمل بالطبع!!!
أصبح هؤلاء الأعذارجيين أبطالًا في فن الهروب، لكنهم ينسون دائمًا أن العالم ليس مسرحًا لعبثهم، العمل لايحتاج لأعذارهم الفنية، بل يحتاج إلى موظفين يتحملون المسؤولية، لهذا، دعونا نضعهم في متحف الأعذار السخيفة، حيث يُدرّسون للأجيال القادمة كيف لا تُدار الحياة، وكيف يُدار الهروب!
نصيحيتى لمن يبتكرون الأعذار، مهاراتك في الهروب تستحق جائزة... لكن مش جائزة العمل!
يا مبتكر الأعذار، برافو عليك! إنت أثبت بجدارة إنك تملك خيالًا واسعًا لا مثيل له. كل يوم تجيء بفكرة جديدة للهروب من العمل، وكأنك في مسابقة لاختراع أكثر الأعذار عبقرية. النور قاطع، النت فاصل، الموبايل فاصل شحن، البنت عيانة، اللاب مهنج... يا راجل، إنت مش موظف، إنت مؤلف أفلام درامية كوميدية!
لكن خلي بالك، الموهبة دي لو وظفتها في العمل بجدية، كان زمانك بقيت نجم في مجالك بدل ما تبقى نجم في مسلسل "أعذار الهروب". الأعذار حبلها قصير، وصدقني، زملاءك ومديرك حافظينها أكتر من حفظك للجداول الزمنية اللي مش بتنجزها.
نصيحة: استثمر خيالك في الإنتاج، بدل ما تستثمره في الاختفاء،المؤسسات - الشركات مش بتدور على فنانين هروب، هي بتدور على ناس تقدر تتحمل المسؤولية وتنجز. جرب تيجي يوم شغل من غير عذر، شوف النتيجة. يمكن تكتشف إن الحياة من غير أعذار أحلى... أو على الأقل أهدأ!
كاتب المقال الكاتب الصحفى صالح شلبى رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير ونائب رئيس شعبة المحررين البرلمانيين بمجلسى النواب والشيوخ