الكاتب الصحفى صالح شلبى يكتب تعاملوا مع الليمون بحكمة وأقتصاد

الليمون، هذا الكائن الأصفر الصغير الذي لطالما كان يجلس في هدوء على أطراف سوق الفاكهة، لا يبالي بالمانجو المتغطرسة ولا التفاح المتعالي ولا الفراولة المتدللة.
كان الليمون مسكينًا، مثل البطل الشعبي الذي لا يعرف قيمته أحد، حتى جاء الزمن الذي " قفز فيه " إلى قمة الهرم الاجتماعي والاقتصادي، ليصبح "باشا الفاكهة"، وكأن الدنيا تقلبت رأسًا على عقب، أو كأن هناك مؤامرة كونية لرفع شأنه فوق التفاح، مانجو العصور، وحتى الفراولة الحسناء.
في الماضي، كان بائع الليمون يخرج إلى السوق وهو يعرف أن أحدًا لن يتزاحم على بضاعته. الكل يفضل التفاح البلدي أو البطيخ الضخم الذي يفوز دائمًا بالمساحات الكبيرة في عربات الفاكهة. كان الرجل المسكين يعرض الليمون في خجل، المية بقرش
أما الآن؟ الليمون هو الزعيم الذي لا ينافسه أحد، وصل سعر الكيلو إلى 100 جنيه، والعائلات البسيطة بدأت تضع "الليمون" في خانة الرفاهيات جنبًا إلى جنب مع الكافيار وشوكولاتة البلجيك
ربات البيوت صرن يحسبن الليمون على أنه "عملة صعبة"، بينما يكتفي المواطن البسيط بالوقوف أمام بائع الخضار ونظرات الحسرة على تلك الفاكهة التي تجاوزت قدرته الشرائية.
الليمون تحول من مجرد "مُضاف" إلى الطعم في السلطات أو لتخفيف رائحة السمك، إلى نجم الموسم. فجأة، أصبح الناس يتحدثون عن فوائد الليمون وكأنه إكسير الحياة، ومشروب الليمون بالنعناع تحول إلى "المشروب المميز" للمطاعم الفاخرة. والليمونة أصبحت تُعامل كما لو كانت قطعة فنية ثمينة، تُستخدم بأقصى قدر من الحكمة والاقتصاد.
في الحقيقة، الكاتب الصحفى الكبير الساخرمحمود السعدني الله يرحمة لو كان سيجلس في أحد مقاهيه المفضلة، يشرب كوب الشاي، وينظر إلى هذا الجنون قائلاً: "إيه اللي بيحصل في البلد دي؟" هل الليمون قد تحول إلى "أغنى الأغنياء" بقدرة قادر، أم أن هناك "قوى خفية" تريدنا أن نصبح عبيدًا لهذا الكائن الأصفر؟ وهل سنرى في المستقبل القريب مزادات علنية على "ليمونة واحدة"، يشارك فيها رجال الأعمال والفنانين؟والسؤال الأهم: ماذا عن التفاح؟ ماذا عن المانجووالفراولة؟ هل سيقبل هؤلاء الهزيمة بصمت، أم أننا سنرى انقلابًا جديدًا في عالم الفواكه؟
تخيل أن يأتي عليك شم النسيم والفسيخ والرنجة ينظران إليك بازدراء، لأنهم سيعرفون أنك بدون الليمون من الفقراء ومحدودى الدخل ولا تملك القوة لمواجة شراء ليمونة،ستجلس هناك، والأسماك المملحة تضحك عليك، وأنت تحاول بألم أن تستمتع بالرنجة الجافة والفسيخ، لكن بلا جدوى. بل حتى البرد والإنفلونزا، سيقومان بعمل حفلة في جسمك، وستكون أنت الضيف الشرفي الذي نسي دعوة الليمون! كيف ستقاوم؟ ببرتقالة؟ هذه محاولة يائسة، يا صديقي،بدون الليمون، نحن مجرد بشر ضعفاء، تائهين في عالم قاسٍ من المخللات الجافة والأمراض العنيدة.
الطريف في الأمر أن العديد من المطربين الكبارشادية وفريد الاطرش في الزمن الجميل كانوا يمتلكون حسًا غير عادي بأن الليمون سيصعد إلى القمة، وكأنهم شعروا بأن هذا "الليمون" المتواضع سيُصبح يومًا ما ملكًا متوجًا على عرش الفواكه.
شادية عندما غنت "آه يا لموني، آه يا لموني"، كانت وكأنها تناجي الليمون الذي لم يكن أحد يدرك حينها أنه سيصبح قطعة نادرة يُنادى عليها بالمزاد، أما فريد الأطرش، عندما صدح بصوته العذب في أغنيته "فوق غصنك يا ليمونة"، كان يغني للليمونة وكأنها ملكة متوجة تتمايل فوق غصنها، وكأنه كان يرى مستقبلها المشرق حين تتفوق على التفاح، المانجو، والفراولة في أسواق الفاكهة.
هل كان هؤلاء الفنانون على دراية بأن هذا الليمون الذي غنوا له سيصبح حديث المجتمع؟ هل شعروا بروح هذا الثمر الذي سينقلب من مجرد مكون جانبي في طبق السلطة إلى ملك المائدة، بقيمة تساوي أضعاف ما كان يُعتبر يومًا الأغلى؟ ربما كانت لديهم هذه "الحاسة السادسة"، أو لعلهم كانوا يُنذروننا بمستقبل لم نكن لنراه.