تخاريف صيام .. البيوت أسرار ( ١ ) ” بيت السحيمى ” .. أعظم دار فى مصر

تتميز مصر على مدى كل العصور بالإبداع المعمارى حيث الأبهة والعظمة فى بناء البيوت والمنازل والعقارات فها هو الصانع المصرى العظيم يرتدى ثوب التألق كالعادة ويترك لنا العديد من البيوت التى تعبر عن مدى العبقرية التى يتميز به ذلك الحرفى البسيط.
قصص وحكايات وأسرار هذه البيوت سوف نعرضها لكم فى حلقات مسلسلة فى رمضان من خلال الجزء الثانى من ملف " تخاريف صيام " ولكن تحت عنوان " البيوت أسرار " كل يوم حكاية ، أرجو أن تنال إعجابكم وأن تكون وجبة رمضانية متميزة .. أدعو المولى عز وجل أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وأن يجعل شهر رمضان شاهدا لنا لا علينا ، وكل عام وأنتم بخير.
* سياسة البطش والتنكيل التى إتبعتها الدولة العثمانية والتى ظلت قابعة على عرش مصر أكثر من ٢٨٠ عاما لم تمنع العامل المصرى من الإبداع والتألق فى شتى المجالات وبخاصة فى النشاط المعمارى ، فقد تمكنت يداه الذهبيتين من تنفيذ العديد من المنشئات العظيمة وعلى رأسها العديد من البيوت والقصور التى لا تزال باقية حتى الآن.
ويعد " بيت السحيمى " أحد أبرز هذه البيوت وأشهرها على الإطلاق والذى لايزال صرحا معماريا فائق الجمال والأبهة والعظمة يصفه خبراء العمارة والآثار بأنه أعظم دار للسكن لما فيه من فن وعبقرية علمية ونقوش غاية فى الإبداع.
فى قلب واحد من أعظم وأشهر شوارع العالم وليس فى مصر المحروسة فحسب وهو شارع المعز لدين الله الفاطمى يقع هذا البيت العتيق وفى حارة هى الأجمل والأشهر بين حارات قاهرة المعز وهى حارة الدرب الأصفر ليربط شارع المعز بشارع الجمالية ، صرحا يقف شامخا يتباهى بعراقته وبجماله الشائق وفنونه البديعة وبطرازه النادر.
بيت السحيمى فى الأصل لم يكن يسمى بهذا الإسم بل كان بيت الشيخ عبدالوهاب الطبلاوى والذى كان يسكن فيه منذ بنائه سنة ١٠٥٨ هجرية الموافق ١٦٤٨ ميلادية وكانت مساحته فى ذلك الوقت قاصرة على الناحية القبلية لهذا الصرح الشامخ الذى نراه اليوم.
أعوام تليها أعوام وأجيال تعقبها أجيال حتى كانت سنة ١٢١١ هجرية / ١٧٩٧ ميلادية حين قام شيخا آخر وهو الشيخ إسماعيل شلبى بشراء المنزل وضم إليه الجهة البحرية له وأصبح بهذه المساحة الشاسعة التى هو عليها حاليا.
وفى مطلع القرن العشرين قام واحدا من رموز الأزهر الشريف بشراء هذا المنزل وهو الشيخ محمد أمين السحيمى شيخ رواق الأتراك بالجامع الأزهر أى أنه أستاذ الطلبة الوافدين من تركيا الذين يتعلمون أصول الدين الإسلامى فى الجامع الأزهر ، ومنذ ذلك الحين بدأ إطلاق إسم السحيمى على هذا البيت العريق نسبة إلى آخر من سكنه وهو الشيخ محمد أمين السحيمى.
فى القسم الأول لذلك البيت يوجد قاعة كبيرة وواسعة ومنتظمة في الشكل تنقسم تلك القاعة إلى إيوانين كل منهما يحصران في المنتصف مساحة تتميز انها منخفضة إلى حد ما عنهما كما يطلق عليها حتى الآن لقب غريب نوعا ما هو " الدرقاعة " وكانت قد رصفت باستخدام نوع من الرخام الملون حيث انه كان يمتد حول جدران الإيوان باستخدام شريط مميز من الكتابة كان يحتوي على عدد من الأبيات لكنها من نهج البردة والتى تعد أروع قصائد الشاعر المصرى العظيم أحمد شوقى فى المدح النبوى.
كما ان للبيت إيوان آخر لكنه مفتوح على الصحن الخارجى كما انه يتجه نحو جهة الشمال حتى يجمع فيه هواء البحر الخارجي البارد في الصيف.
كما انه يسمى المقعد بالإضافة الا انه له سقف من الخشب أيضا يشبه الى حد ما القاعة كان ذلك المجلس يستخدم في كلا من الشتاء والأوقات الباردة اما المقعد فهو يستخدم فقط صيفا.
لذلك البيت صحنين كبيرين، أحدهما ذو صحن أمامي هو بمثابة تلك الحديقة الكبيرة أو المزروعة كما انه يتوسط ما يسمى بـ " التختبوش " وهو عبارة عن دكة خشبية كانت قد زينت بعدد من الأشغال من مادة الخشب الخرط.
في ذلك الصحن يوجد شجرتان كانتا قد زرعتها عند القيام ببناء ذلك البيت، سميتا بشجرتي زيتونة وسدرة.
كما أن الصحن الخلفى من البيت به حوض ماء كما أن به ساقية للرى وبه طاحونة تتمكن من أن تدار بواسطة اي نوع من الحيوانات كما كان ذلك الصحن الخلفى للبيت مخصص فقط للخدمة.
تصعد على الدور العلوي لتجد صالة النساء " الحرملك " ، جدرانها من السيراميك وجميع النوافذ من المشربية، بالإضافة لمكان خاص للغناء تطل مباشرة على الحديثة وواجهة مكتوب عليها قصائد من الشعر.
تم تحويل بيت السحيمي الى متحف ، حيث يضم مجموعة نادرة من التحف الإسلامية مثل أوان من الخزف العثمانى تم صناعته في كوتاهيا في اسيا الصغر وكتابات اثرية قديمة جدا ونادرة.
وقامت وزارة الثقافة بتحويله إلى مركز للإبداع الفنى وأصبح تابع لصندوق التنمية الثقافية بعد ترميمه وأعيد إفتتاحه عام ٢٠٠٠ ليكون مركز إشعاع ثقافى وفنى فى منطقة الجمالية.
إستضاف بيت السحيمى أضخم فرق مصرية للتراث الشعبى الموسيقى ، فضلا عن نوع آخر من الفنون الشعبية وهو فن " الأراجوز " وخيال الظل للحفاظ على هذا النوع من التراث.