الكاتب الصحفى صالح شلبى يكتب : حين تصبح الأخطاء غذاءً للبعض!

يعيش بيننا نوع من البشر لا يستريح ولا يهدأ إلا إذا اصطاد خطأ، هولاءالأشخاص يمتلكون قدرة غريبة على تصيّد الأخطاء، وكأنهم متفرغون فقط للبحث عن أي زلة أو هفوة، ليحولوا كل لحظة عابرة إلى قضية كبرى تستحق النقاش والتحقيق والحكم على صاحبها بالاعدام! هؤلاء الحاقدون والمترصدون لا يرون سوى العيوب، ولا يسلطون الضوء إلا على الأخطاء، حتى لو كان الأمر بسيطاً لا يستحق الوقوف عنده. كما يقول المثل الشعبي الشهير: " اللي في قلبه مرض، ما بيشوفش غير العيب. "أي خطأ، مهما كان صغيرًا أو تافهًا، المهم أن يُشهر به في كل مكان وكأنه اكتشاف مذهل، هؤلاء، أطلق عليهم اسم "هواة التصيّد"، لأنهم يجعلون من الأخطاء صيدًا ثمينًا لا يتوقفون عن ملاحقته، ولو بحثت عنهم ستجدهم في كل مكان، مثل الظل الثقيل الذي لا يفارقك، سواء كنت في العمل، أو في المنزل، أو حتى على مواقع التواصل الاجتماعي،وكأنهم في رحلة دائمة للبحث عن "الخطأ المثالي" الذي يجعلهم يشعرون بقيمة وجودهم! الحياة بنظرهم ليست إلا حفلة تفتيش، وهم القضاة والمحلفون في كل موقف.
ولأن الحاقد لا يتوقف عن كراهيته، فهو يتفنن في الانتقاد الدائم، وكأن لسان حاله يقول: "إن طالت الغيبة جاب الغلط، وإن حضر أهلك الدنيا." فهم لا يرضيهم حضورك ولا غيابك، ويتصرفون وكأنهم خلقوا فقط لتصيد أخطائك، وما أشد سخرية الموقف حين تتذكر المثل القائل: "إذا كان حبيبك عسل، ما تلحسوش كله." لكنهم، وللأسف، لا يعرفون الاعتدال في تصرفاتهم.
حينا نجد أنفسنا محاطين بهؤلاء الحاقدين والمترصدين، لا يسعنا إلا أن نعيد تذكيرأنفسنا بالحكمة القائلة: "الباب اللي يجي منه الريح سده واستريح." لا فائدة من محاولة إرضاء من لا يرضى، ولا جدوى من الجدال مع من ينتظر خطأك بفارغ الصبر. فهؤلاء، مهما فعلت، سيبقون في دائرة الحقد وتصيد الأخطاء، وكما يقول المثل: "اللي مالوش خير فيك، مالوش خير في غيرك."
بإختصارشديد، يا عزيزي،هولاء حتى لو صنعت من الفسيخ شربات، أو أشعلت لهم الشمع بيديك العشرة، سيظلون كما هم، لا يتغيرون ولا تهزهم محاولاتك للتصالح أو التحسين، وكما يقول المثل الطبع غلاب، وعلى رأي المثل الشهيرأيضاً "اللى فى القلب فى القلب فى القلب " مهما فعلت أو اجتهدت، سيظل هواة التصيّد في تربص دائم، يبحثون عن هفوة ليضخموها، أو خطأ ليعلقوا عليه بأقسى العبارات.
هؤلاء الهواة لديهم قدرة خارقة على تحوير الكلام، وتضخيم أي هفوة، بل قد يجعلون من "نقطة" صغيرة في جملة، أزمة تستحق التحقيق العاجل! بالنسبة لهم، اعتذارك ليس كافيًا، وتصحيحك للخطأ لا يشفع لك، فهم يتلذذون بفكرة أن الأخطاء تُرتكب ليتم الإمساك بها، ولا تُغتفر إلا إذا قرروا هم ذلك.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يعيش هؤلاء؟! ما هو السر وراء هذا الشغف العظيم بتصيد الأخطاء؟ يبدو أن الخطأ بالنسبة لهم هو المكافأة المنتظرة، والنشوة التي تُعيد الحياة إلى أرواحهم! فهم مثل صياد ماهر يجلس على ضفاف نهر، ينتظر بصبر لا حدود له أي إشارة صغيرة ليقوم بالصيد، ولكن للأسف، السمك في قصصهم هو "هفوات الآخرين".
والأغرب أن هؤلاء "الصيادين" لا يبحثون عن التصحيح أو تقديم النصيحة، بالعكس، هم يبحثون عن الفرصة المثالية ليقولوا: "أها! أخيرًا وقعت في الفخ!"، ثم يبدأون في استعراض عضلات النقد، وكأنهم الحكم الوحيد الذي يملك حق تقرير مصير الكون. وهم يتناسون أن الكمال لله وحده، وأننا جميعًا نخطئ ونصيب.
لكن العجيب في الأمر، هو أن هؤلاء عادة ما يكونون أقل الناس إنجازًا! فبدلاً من أن يركزوا على تطوير أنفسهم أو إنجاز شيء يُذكر، تجدهم غارقين في مراقبة الآخرين وتحليل سلوكياتهم. إنهم محترفون في تحويل أي تفاعل إنساني بسيط إلى مسرحية درامية، والبطولة دائمًا لهم، فهم "حماة الفضيلة" الذين لا يسمحون بمرور أي خطأ دون إعلان "النصر العظيم".
لكن دعونا نتساءل: ماذا لو وجه هؤلاء طاقتهم الهائلة إلى شيء إيجابي؟! ماذا لو بدلاً من التصيّد، قرروا أن يكونوا داعمين للآخرين؟ أن يستخدموا ملاحظاتهم بشكل بنّاء؟ بالطبع هذا يبدو مستحيلاً بالنسبة لهم، لأن متعة التصيّد تفوق في نظرهم أي محاولة للتعاون أو الإصلاح.
نقول لهواة التصيّد: الأخطاء جزء من الحياة، وعليكم أن تفهموا أن الكمال ليس في تصيّد الهفوات، بل في التعامل معها بإنسانية وتفهم، فالبشر ليسوا نصوصًا تُدقق أو حسابات تحتاج إلى مراجعة دقيقة، والأهم، إن لم تكن قادرًا على تصحيح الخطأ بحب وتقدير، فلا داعي لأن تجعله عنوان حياتك
نقول لهم ربما إنصلح حالهم تصيد أخطاء وزلات الآخرين من العادات المذمومه حيث لا يوجد إنسان معصوم عن الخطأ، أقول لهذه الفئه دعوا الخلق لخالقهم، نظفوا قلوبكم وبيوتكم قبل بيوت الآخرين، وعلى قول المثل "ماكنست بيتها راحت تكنس بيت الجيران"
وفي النهاية، لا يسعنا إلا أن ندعو لهم بالهداية من الله، فالأمر ليس بيدنا، نطلب لهم صلاح الحال، وأن يُنير الله قلوبهم ويصلحها من الغل والحسد، فليس لنا إلا أن نرجو لهم أن يهتدوا إلى الصراط المستقيم، وأن يدركوا أن الحياة أكبر من تصيّد الأخطاء، وأن هناك قيمة أعمق في مسامحة الآخرين ودعمهم بدلاً من محاكمتهم على كل صغيرة وكبيرة.