الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد يكتب: مصائب مصر .. فوائد لقصر ” الأمير طاز ” !!

مصيبة الزلزال الذى ضرب مصر المحروسة " قاهرة المعز " كانت بمثابة فائدة كبرى لواحد من أعظم المنشئات الأثرية الإسلامية وهو قصر " الأمير طاز " الذى يقع بشارع السيوفية بحى الدرب الأحمر وهى المنطقة الأرقى فى القاهرة وقت بناء القصر سنة ٧٥٤ هجرية / ١٣٥٢ ميلادية.
الأمير سيف الدين طاز كان واحدا من فرسان المماليك الذين كان لهم شأن عظيم وكان يعرف عنه العدل والإنصاف والميل نحو الجانب الخيرى حيث كان يغدق بالمال على الفقراء وتدرج في المناصب المملوكية حتى تولى منصب " دوادار " للسلطان الصالح بن الناصر محمد بن قلاوون وهو حامل دواة السلطان و إبلاغه بالرسائل ثم تولى طاز نائب حلب.
ويعتبر القصر أحد أروع وأجمل نماذج القصور في عصر دولة المماليك البحرية وأكبرها في المساحة وأهم ما يميزه المقعد المطل على الفناء الداخلي الكبير، كما يتميز بقاعاته الفريدة ذات الزخارف الجميلة زُينت أسقف القصر بزخارف هندسية ونباتية، وزُينت جدرانه بأشرطة كتابية تحمل ألقاب الأمير طاز، ويتخللها جامات مستديرة عليها رنك الكأس يرمز لوظيفة الساقي، وهي إحدى الوظائف التى تقلدها الأمير.
عند إفتتاح القصر العظيم يوم السبت ١٧ جمادى الآخر سنة ٧٥٤ هجرية أقام الأمير طاز في هذه الدار وليمة عظيمة، حضرها السلطان الملك الصالح وجميع الأمراء.
عاش الأمير طاز فى هذا القصر ٣ سنوات فقط بعدها إنتقل إلى حلب ثم دخل فى صراعات سياسية أودت بحياته تاركا وراءه إرثا خالدا هو ذلك القصر الرائع العريق.
تحول القصر إلى مقر لنزول الباشوات المعزولين عن حكم مصر منهم الوزير خليل 1709 م ثم ولي باشا المتولي لباشوية مصر 1713 م.
في عصر محمد علي استخدم القصر كجزء من مدرسة حربية ثم استأجرته وزارة التربية والتعليم من الأوقاف لتحوله إلى مدرسة للبنات فأعيد تشكيل مساحة المبنى الشاسعة لتتحول إلى فصول، وبعد أن نالت الشيخوخة من البناء - وهو الذي لم ينفق على صيانته وترميمه طوال نصف قرن من 1918 م حتى 1940 م سوى مبلغ لم يزد على 671 مليما وقررت الوزارة تحويل المدرسة إلى مخزن لمئات الألوف من الكتب ومئات الأطنان من الخردة ولجأ إليه سكان المنطقة بالتالي لدفن حيواناتهم النافقة.
كالعادة تمر السنين وتتعاقب الأجيال التى لم تحافظ على تراثها وتاريخها الحافل بالأحداث ويسقط الأثر فى براثن الإهمال وتحول إلى مجرد أطلال وهو الذى طالما شهدت أروقته العديد من الأحداث والمواقف التى رسمت خريطة الطريق للوطن.
ظل القصر يعانى من سياسة التجاهل للحكومات المتعاقبة إلى أن شائت الأقدار أن يبعث من جديد
وكان الفضل - يا للعجب - لزلزال 1992 م الذي أنهى صمت المسؤولين وتجاهلهم لقصر طاز الذي كاد ينسحق هو وسيرة صاحبه للأبد في بئر النسيان لولا أن الزلزال هدم كثيرا من أعمدة القصر وأركانه وجانبًا كبيرا من جداره الخلفي المطل على حارة الشيخ خليل شديدة الضيق التي لا يزيد عرضها على المترين وبها عشرات البيوت المتراصة المتهالكة المكدسة بسكانها.
بعد زالزال 1992، دخل القصر غرفة الإنعاش ونجا ونجت معه قصص أحداث جرت كان جزًء من إحيائه، وبدا وكأن التاريخ يسري في عروق إحياء سيرتها منطقة القلعة بأسرها
فتحرك المجلس الأعلى للآثار لعمل صلبات لوقف انهيار المبنى حتى فوجئ الجميع صباح العاشر من مارس 2002 بانهيار حائط من حوائط القصر على أحد بيوت حارة الشيخ خليل الذي تهدم منه جزء كبير، وتم تشكيل فريق طوارئ لاتخاذ كافة الإجراءات للحيلولة دون أي انهيار جديد من شأنه تهديد أمن وحياة أي من سكان المنطقة
ووضعت الخطة التي تنقسم إلى جزأين: الأول: عمل التداعيات لإيقاف الانهيارات وإزالة الردميات عن الأسقف، والثاني: فك الأجزاء الآيلة للسقوط حتى يتوافر الأمن للأهالي، ومع أن رحلة العلاج كانت شاقة ومتعددة الخطوات لكن الناتج كان يستحق العناء.. عندما عادت الروح إلى قصر طاز.
كاتب المقال الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد مدير تحرير بوابة الدولة الإخبارية والخبير المالى والإقتصادى