الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد يكتب : تخاريف صيام .. البيوت أسرار ( 5 )

" المسافر خانة " .. القصر الملكى سابقا يتحول إلى مقلب زبالة !!
نعود اليوم إلى زيارة أجمل وأمتع حى فى مصر وهو حى الجمالية ، ولكن ليس لكى نستمتع بروعة أثراً من آثارها الإسلامية العظيمة وإنما كى نتحسر على الحالة المذرية التى وصل إليها واحداً من الآثار المتميزة والذى تحول إلى أطلال هزيلة إختفت معها روعة زخارفها ومعالمها الفريدة.
فى سنة 1193 هـ / 1779م قَدُم التاجر محمود بن محرم الفيومى من الفيوم واستقر فى مصر المحروسة " قاهرة المعز " وشرع فى بناء قصراً يقع بين دربي المسمط والطبلاوي المتفرع من شارع الجمالية وهو القصر الذى أطلق عليه فيما بعد إسم "المسافر خانة".
يقال أن محمد علي باشا اشترى هذا القصر أوائل القرن التاسع عشر، و حوله إلى مضيفة مُخصصة لاستقبال زواره من دول العالم لفترة طويلة، ومن هنا أُطلق عليه اسم "المُسافر خانة" أي "دار الضيافة" وهو بمثابة قصر سلطانى أو ملكى مثل القصر الجمهورى الآن.
ويقال أيضا أن التاجر محمود بن محرم أهدى القصر إلى إبراهيم باشا بن محمد على، والذى أهداه بدوره إلى ابنته فاطمة التى أنجبت الخديوى إسماعيل، ليشهد أول 8 سنوات من حياته.
وقد وُلد الخديوى إسماعيل فى سنة ١٨٢٩ ميلادية فى القاعة القبلية بالطابق العلوى من هذا القصر العظيم وقد تولى الخديوى إسماعيل حكم مصر سنة ١٨٦٣ حتى عام ١٨٧٩م.
كانت المسافر خانة قديما تُعرف باسم "دار الضيافة"، ثم تطور اسمها من دار الضيافة والاستراحة إلى "دار المسافرين" ثم عرفت رسمياً وحكومياً في عهد الخديو اسماعيل باسم "المسافر خانة".
أشرفت المسافر خانة على كافة المساطب الخيرية، التي تقام فى مختلف الجهات بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوى ، و أمدت التكايا بما يلزم من الطعام اللازم لفقرائها. ولكثرة المترددين والمسافرين، أنشأت الحكومة بجانب المسافر خانة عدة لوكاندات لاستقبال ضيوفها وقد استضافت المسافر خانة العديد من المسافرين، فكان منهم رجال السياسة والإدارة والسفراء وكذلك زوجاتهم، ورجال العلم والقضاء ورجال الدين والتجار، وغيرهم من الموظفين الحكوميين والعسكريين، وكانت كافة مصروفات الضيوف والمسافرين من طعام وشراب احساناً من الخاصة الخديوية , بينما كانت كافة مصروفاتها الإدارية والمعمارية علي حساب المالية المصرية.
كان يبلغ ارتفاع القصر نحو 22 مترا، وكان يضم العديد من التحف المعمارية الفنية فى ذلك العصر، بالإضافة إلى احتوائه على ثانى أكبر "مشرفية" فى العالم، وهى مأخوذة من كلمة "شرفة"، وهى ما تشبه البلكونة حاليا.
بعد إنتهاء هذه العصور ظل القصر على حاله ولكن رويدا رويدا إمتدت إليه يد الإهمال وأصابه فيروس القصور الحكومى فتحول إلى وكر للخارجين عن القانون يمارسون فيه الرذائل ويتناولون فيه الخمور وكل أنواع المخدرات فضلا عن أنه أصبح مرتع للحيوانات الضالة وأصبح مقلبا للزبالة وأصبح صرحا من خيال فهوى.
وفى سنة ١٩٩٨ حاولت الحكومة تطويره وإعادته إلى سابق عهده وبدأت فى عمليات التطوير من خلال إستخدام بعض المواد الكيماوية حيث بدأ حشو الجدران ب " الخيش المقطرن " ، ولكن نظرا لأن الإهمال كان جاسما على قلوب القائمين على أعمال التطوير فتعرض القصر التاريخى إلى حريق هائل دمره تماما ولم يتبق منه سوى مجرد أطلال هشه هزيلة تكاد تنطق بالخراب الذى حل عليها كما هو حالها حاليا ومازالت تعانى الآلام بسبب الدمار الذى ضرب فى عروق تلك الجدران الحزينة التى نخر الفساد قبل الإهمال فيها فأصابها بالوهن والضعف بعد أن كانت جدرانه غنية بزخارفها وعناصرها المعمارية.
المسافر خانة أيها السادة كان يضارع قصر الحمراء بإسبانيا وإيوان كسرى بفارس وطوب قابى سراى بإسطنبول هكذا وصف الأديب الكبير جمال الغيطانى قصر المسافر خانة فى كتابه، إلا أنه مع النظرة الأولى داخل القصر تفاجأ بأكوام من القمامة تملأ المكان والعديد من الجدران المهدمة، وتاريخ تحول من قمة الرخاء فى عهد الأمراء إلى مرتع لتدخين الممنوعات وإلقاء القمامة خافية تحتها أرضيات رخامية لطالما استضافت أمراء وحكاما وأدباء وفنانين تشكيلين .. ويبقى الأمل أن تنتبه الحكومة فى إطار سعيها لتطوير القاهرة الخديوية إلى أهمية هذا الصرح الأثرى العظيم وتقوم بتطويره وتعمل على عودة الروح إليه من جديد.
كاتب المقال الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد مدير تحرير بوابة الدولة الإخبارية والخبير المالى والإقتصادى